فى مقال الكاتب محمد الدسوقى رشدى بعنوان: إصلاح وتهذيب هشام طلعت مصطفى، الذى تم نشره بالعدد الأسبوعى من اليوم السابع بتاريخ 13- 4 – 2010 ذكر عبارة مازالت تتردد فى أذنى حتى الآن وهى ذاتها التى وضعتها عنوانا لمقالى.
صحيح أن حينها كان الكاتب يقصد قضية وموضوعاً آخر تماماً، لكن ما أود الحديث عنه الآن أن الشعب المصرى فى ظل النظام السابق كان يعشق النسيان هروباً من مواجهة الحقيقة، فالنظام استطاع وبكفاءة غير عادية أن يجعل كل مواطن مشغولا من أخمص قدمه وحتى شعر رأسه فى مشكلاته الحياتية اليومية التى لا تنتهى.
وما أن يخرج من أزمة حتى يجد نفسه غارقاً فى أزمة أخرى أمر وأشد من سابقتها، كان رهان النظام دائمًا على أن الشعب الذى يبحث عن رغيف الخبز وكوب الماء ومسكن متواضع جدا مجرد صالة وغرفة واحدة أو حتى غرفة على أسطح إحدى العمارات القديمة أو على الأقل "عشة" فى عشوائيات المدن.. هذا الشعب لا يمكنه أن يفقه معانى ومصطلحات مثل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية.
لقد استطاع النظام السابق أن يجد ما يشغل السواد الأعظم من الناس عن شئون الحكم ومحاسبة النظام، فحتى أعضاء المجلس الموقر، الذى يُفترض أن يقوموا بمحاسبة الحكومة والنظام كان جُم هدفهم هو الحصول على رضا الوزراء وكبار رجال الحزب الحاكم عنهم، حتى عندما كانت الصحف ــ المستقلة طبعا ــ تكشف عن بعض جرائم الفساد والإضرار بالمال العام ومصلحة الدولة كان مصيرها التضييق عليها والتهديد بإغلاقها، وهذا ما كان يسرى على حال بعض القنوات الفضائية أيضاً، فكانت مناقشة شئون الدولة تتم على استحياء شديد، هذا بخلاف السنوات الثلاث الأخيرة، والتى قد وصل حد السفه والإجرام بحق الشعب والدولة من جانب النظام مالا يطاق ولا يحتمل.
فكان من الصعب على بعض وسائل الإعلام السكوت عن ذلك، وبالطبع كان للنظام طرقه وأساليبه الخبيثة فى التعامل معها.. لكن الشعب الطيب الكريم المتسامح قد وصل حداً من الكبت لا يمكن له بعده أن يظل صابراً على أفعال الفاسدين والطغاة الماكثين فى سدة حكم البلاد، وكانت ثورة تونس الناجحة شرارة أشعلت آبار الغضب لدى عموم الشعب المصرى.
صحيح أن الشعب تخوف فى البداية من الثورة كنتيجة طبيعية لسنوات طويلة ماضية كان أحد أهم أفعال النظام فيها هو زرع روح اليأس داخل نفوس المصريين وترهيبهم من قيام أى ثورة أو أعمال احتجاجية تصعيدية قد تجعل البلاد فريسة سهلة لمن يستهدفها من الخارج، لكن هل يُعقل أننا لم نُستهدف من الخارج بقدر ما تم استهدافنا من الداخل؟! أليست جرائم الفساد المعلنة والتى تمتلئ بها صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت يومياً هى أقصى وأبشع من الاستهداف الخارجى؟! ألم يسرق نظام حسنى مبارك من تاريخ ومستقبل مصر الكثير والكثير، واستقطع أعواماً طويلة بلا تنمية حقيقة أو تقدم ملحوظ أو على الأقل حفاظاً على دور ومكانة مصر العربية والأفريقية والعالمية؟!.
إن الشعب لم يعد يعشق النسيان بقدر ما أصبح فى أمس الحاجة إلى مراجعة حسابات الماضى، وفى نفس الوقت التخطيط لمستقبله.. خروج الرئيس المخلوع ــ أو المتنحى كما يحب فلول نظامه أن يسموه ــ من الحين للآخر بكلمة أو خطاب يحتوى على بعض العبارات العاطفية لن يجدى بعد الآن، لقد ذاق الشعب الحرية بعد غياب، وأصبح بإمكانه أن يرى الشخص المناسب فى المنصب المناسب بعد عملية تطهير مازالت مستمرة للمناصب القيادية فى كافات قطاعات الدولة.
لقد أصبح بإمكان الشعب أن يجد متسعاً من وقته للحديث عن السياسية وحال الوطن بلا خوف أو ترصد من أحد أو مراقبة لأقواله وأفعاله، لقد بات كل مصرى يفتخر ببلده ويشعر بأنه صاحبها الحقيقى بعد أن نزع نظام مبارك من نفوسنا الإحساس بوطنيتنا وأصبحنا غرباء فى وطننا، سأختم مقالى بكلمات من أحد خطاباته العاطفية، فلعلها كانت صادقة منه حين ألقاها: حفظ الله مصر بلداً آمناً ورعى شعبه وسدد على الطريق خطاه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة