يجب أن ننظر إلى ما حدث للرئيس السابق حسنى مبارك بعيدا عن مشاعر الاعتراض أو الرفض أو الشفقة أو الفرح أو التشفى أو الانتقام.
ما حدث أمر مذهل بالطبع لا نكاد نستوعبه، ولا نكاد نصدق أن مصر التى عشنا فيها عقودا طويلة تحت القهر والظلم والديكتاتورية وحكم الحديد والنار، والتى كنا نخشى فيها مجرد ذكر اسم رئيس الجمهورية ولا أولاده ولا المرور أمام وزارة الداخلية وأمن الدولة قد تحولت إلى دولة ديمقراطية كاملة يحاكم فيها رئيس الجمهورية واسرته ويدخلون السجن.
الأسماء التى حوكمت ودخلت السجن على مدى الايام الماضية كانت أسماء "تخض" منذ أسابيع، كان مجرد ذكر اسم منها كفيل بان يهز أى فرد أو مؤسسة وأن يشل أى قانون، هم كانوا فوق القانون والدستور، بل كانوا يتلاعبون بالقوانين ويغيرونها ويعدلون الدستور كما يرغبون حسب مصالحهم وأهوائهم.
لم يكن أحد يتصور أن يرى سرور ونظيف والشريف والعادلى وعز يحقق معهم ويدخلون السجن كمتهمين بعد ان كانت كلمتهم هى القانون ورغبتهم هى الدستور، ولا كان عاقل أو مجنون فى مصر يستطيع قبل ثلاثة أشهر أن يتحدث عن سقوط الرئيس ونظامه وأن يفكر مجرد التفكير أو أن يحلم مجرد الحلم أن يخضع مبارك وأسرته للتحقيق وأن يأمر النائب العام بحبسهم.
ما حدث لا يجب أن يدعونا أبدا للشماتة أو الفرح لحبس الرئيس السابق وأسرته أو أى من رموز نظامه، بقدر ما يمنحنا العزم على ان نمضى بغير تلكؤ أو إبطاء فى بناء مصر من جديد كدولة ديمقراطية مدنية حديثة يعلو فيها القانون على الجميع مهما كانت مناصبهم، ويتساوى فيها الوزير مع الخفير والحاكم مع المحكوم أمام سيادة القانون.
وفى هذا الإطار فإننى أتمنى أن أرى تعليقا أو توضيحا أو ردا أو نفيا لخبر قرأته منذ أيام مفاده أن الكنيسة رفضت تسلم أمرا أو طلبا من القضاء باحضار كاميليا شحاتة التى تردد أنها أسلمت للإدلاء بأقوالها فى المحكمة وحسم هذه القضية التى لا يجب أن تشغلنا أكثر من ذلك عن مستقبلنا وقضايانا الحقيقية.
لا يهمنى إذا كانت كاميليا أسلمت أو لم تسلم، فهى لن تزيد الإسلام ولن تنقص المسيحية، لكن كل ما يهم أن نطمئن إلى أن الكنيسة المصرية التى تحظى بتقدير كبير بين كل المصريين مسلميهم ومسيحييهم لا تتحدى القانون ولا تكون عائقا أمام ترسيخ مفهوم الدولة المدنية الحديثة التى يحترم فيها القانون ويتساوى أمامه جميع الأفراد وكل المؤسسات.
وقبل أن يغضب كلامى هذا بعض الإخوة الأقباط أؤكد أن كاتب هذا الكلام ليس إخوانيا ولا سلفيا ولا ينتمى لأى تيار دينى، لكننى مصرى أتمنى أن نعيش فى دولة مدنية يسود فيها القانون ويطبق على الجميع، دولة لا تفرق بين المسلم والمسيحى سلبا ولا إيجابا، فلا يضطهد فيها مسيحى ولا يجامل، ولا نسكت فيها على مخالفة للقانون حتى لو صدرت عن الكنيسة أو الأزهر.
كل ما أتمناه أن يكون ما قرأته غير صحيح وأن تقدم الكنيسة نموذجا لاحترام القانون وأن تختفى وللأبد النزعة الطائفية وأن تختفى معها أيضا المجالس العرفية لحل المشكلات وأن يطبق القانون وبصرامة وحسم على كل مواطن مصرى وكل مؤسسة مصرية.
كاميليا شحاتة مواطنة مصرية لا يهم أن كانت مسلمة أو مسيحية من حقها أن تظهر وأن تقول كلمتها وأن تعيش حياتها كما اختارتها، وأن ندافع جميعا عن حريتها دون النظر لعقيدتها.
أتمنى أن نتعامل بروح جديدة مع دولة تولد من جديد لا مكان فيها للتعصب أو الطائفية أو الاضطهاد، الآن يجب أن نخضع جميعا للقانون دون مجاملة أو طبطبة أو تمييز.