تفعيل الحوار الوطنى كخارطة طريق يُعدّ ضرورة وطنية استراتيجية مرحليّة مُلحة، وهو فى الأساس الركيزة الحقيقية للعمل السياسى الجاد والوسيلة الأوفر حظًا لمعالجة القضايا التى تعترض الوطن، وهذا يتطلب من الجميع تغليب مصلحة الوطن على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة.
إن الواقع المصرى أكبر وأهم بكثير من جميع الائتلافات والتحالفات والتكتلات، وكذلك الدعوات الرامية إلى إجراء حوارات من أى نوع وأكبر من تلك الدعوات الرامية إلى معالجة الأوضاع الكارثية التى خلّفها النظام السابق بجرة قلم أو عن طريق دعوة مجانية إلى إجراء حوارات شكلية، والكثير من هذه الدعوات بغض النظر عن نيتها أو مقصدها فى هذا الطرح لم ترتق يومًا إلى المستوى الذى يعبر عن آمال وطموحات الشعب المصرى، ولم تخرج عن النطاق الشعاراتى الدعائى إلا ما ندر، فالأمر يحتاج إلى خطوات عملاقة تتناسب مع خطورة وأهمية المرحلة وتداعياتها الوعرة.
ومن أهم هذه الخطوات التى يجب أن تكون فى الحوار الوطنى أن يشترك فيه الجميع مع الأخذ فى الاعتبار كل الآراء والتوجهات وعدم تهميش أو إقصاء أو استبعاد أى مكون من المكونات أو جهة من الجهات أو فئة من الفئات بغض النظر عن الحجم أو الاتجاه أو التأثير، وتفعيل هذا الحوار لمصلحة مصر ككل تفعيلا عمليًا وإجرائيًا بعد دراسة جميع أسباب التوتر بين الجميع بعيدًا عن لغة المهاترات وتبادل التهم وتخوين الطرف المقابل أو اتهامه بموجب نظرية المؤامرة، وبعيدًا عن تغليب المصلحة الخاصة الضيقة والجزئية لأى مكون أو جهة، وبعيدًا عن الصيغ الإنشائية والمقلوبة ضمن أطر جاهزة تدعو بشكل أو بآخر إلى أمور لا يمكن تحقيقها بالتصريحات الرنانة فقط.
ولأهمية الحوار، يجب أن تعقد ورش عمل تحضيرية بين جميع الأطراف تقوم على أُسس وطنية وأجندة واضحة المعالم وفترة زمنية محددة، لأن الخبرة السابقة فى مثل هذه الحوارات غير مطمئنة، بل أستطيع أن أقول إنها غير مجدية فى كثير من الأحيان لأن الأنظمة السابقة طيلة العقود المنصرمة كان لها تأثيرات كارثية على مجمل الشأن المصرى وليس من السهل معالجتها بجملة من القرارات أو التوصيات أو الأمنيات التى تصدر من أى مؤتمر أو تجمع أو اتفاق ثنائى أو جماعى أو من أية مبادرة مهما كانت إذا لم يكن الشعب المصرى مستعدًا لها باعتباره المعنى الأول بها . وهذا يتطلب إيجاد قبول توافقى عام يأخذ فى الاعتبار المنظور الوطنى العام، وتراعى فيها المصلحة العليا للوطن.
فالهدف من الحوار يجب أن يقوم على بناء توافق وطنى لرؤية مستقبلية تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وكافة انتماءات الشعب المصرى وايجاد توافق وطنى حول المجالات السياسية والاجتماعية، من خلال مجموعة متعددة للآليات تبدأ بتوثيق مضابط الحوار وإتاحتها لجميع وسائل الإعلام وحضور مراقبين لمتابعة جلسات الحوار وإنشاء موقع للتواصل الاجتماعى، مع ضرورة وضع ميثاق شرف لكافة الأطياف والتأكيد على سيادة القانون ومبدأ المواطنة، وتحقيق التنمية فى كافة محافظات الجمهورية وعدم الاقتصار على القاهرة أو الاسكندرية فقط، وتوفير فترة زمنية كافية لوضع آليات الحوار الوطنى وغيرها لقيام القوى السياسية فى البلاد بإعداد تصوراتها حول هذا الموضوع، وتشكيل مجلس رئاسى مدنى يضم مجموعة من المدنيين وممثل عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لحين وضع دستور جديد للبلاد، ووضع آلية حقيقية للانتهاء من التحقيقات التى تجرى مع المسئولين السابقين المتحفظ عليهم، لأن هناك قصورًا واضحًا فى التحقيقات التى تجرى معهم، مع سرعة الانتهاء من تلك التحقيقات، وإصدار تشريع يطلق للعمال والفلاحين حرية إصدار أحزاب ومن يتحدث باسمهم لابد أن يكون عاملا أو فلاحًا، مع توحيد الجهات القضائية، وإجراء حوار جغرافى يضم عددًا من المحافظات تكون ممثلة لها فى الحوار، وأن يكون هناك ترجمة لما يتم الاتفاق عليه خلال جلسات الحوار الوطنى وليس مجرد كلام فقط.
وإذا نجح المشاركون فى جلسات الحوار فى التوصل إلى رؤية واضحة للعقد الاجتماعى الذى نريده فسوف يتعاطف معهم الشعب المصري، لأن ما يشغله هو ثلاثة أشياء: عدم استتباب الأمن، وازدياد التوتر الطائفى، وإعادة تسيير عجلة الاقتصاد بأسرع ما يمكن.
إن الحوار لا مناص منه بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية فى الساحة تحت سقف الشرعية الدستورية والثوابت الوطنية والتصدى الشعبى والرسمى لمخططات أعداء الثورة.
وهذا الأمر يتطلب من الجميع أن يرتقوا إلى مستوى من الجدية والحرص على الوطن والشعور بالمسئولية التاريخية الملقاة على الجميع، لأن الشعور بالانتماء الوطنى هو أول خطوة فى إنجاح هذا الحوار لمصلحة مصر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة