علاء عبد المنعم

"محمود مسلم" صحفى محترف ضد الفساد

الأربعاء، 13 أبريل 2011 04:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى بداية شهر يونيو 2007 تقدمت ومعى مائة نائب معارض فى مجلس الشعب بعريضة اتهام سياسى وجنائى ضد الدكتور يوسف بطرس غالى لإخفائه أكثر من ثلاثة عشر مليار جنيه من حصيلة الخصخصة.

وكالعادة قمت بتوزيع عريضة الاتهام على جميع المحررين البرلمانيين فى مجلس الشعب، وتابعت الصحف فى اليوم التالى فوجدت أن الموضوع قد تم تناوله من جانب العديد من السادة الصحفيين، وكان لافتا للنظر تغطية متميزة ومحترفة تنبئ عن فهم عميق للاتهام والأسس التى بنى عليها بأسلوب السهل الممتنع والذى يصل بالفكرة إلى القارئ العادى غير المتخصص وأعجبت جدا بالصحفى الذى حرر الخبر فأعدت قراءة اسمه ومن يومها حفر الاسم فى ذهنى إنه محمود مسلم، ولم أكن أعرف قبل تغطيته لهذا الموضوع، وبدأت أتابع تغطياته الصحفية البرلمانية وحواراته ومقالاته فشعرت أنه صحفى معارض بامتياز.

وتوطدت علاقتنا فاكتشفت فيه مدى إخلاصه ونقائه وتفانيه من أجل المصلحة العامة مع تحليه بالشجاعة والمصداقية والاستغناء عن أى مصالح فى سبلى أداء واجبه الوطنى من خلال محارب الصحافة الوطنية المخلصة.

ولن أنسى حديث الصحفى والإعلامى الرائع المرحوم مجدى مهنا عن محمود مسلم أثناء لقائه به "رحمه الله" فى إحدى حلقات برنامجه التليفزيونى "بعد المداولة" والذى كان يذاع على القناة الثانية بالتليفزيون المصرى.

وكان معى النائب الثائر دائمًا محمد عبد العليم داود، حيث تحدث مجدى مهنا عن محمود مسلم حديثا لا يملك المستمع له إلا أن يحترم ويقدر هذا الصحفى بالغ الاحترام.

وتتوالى الخبطات الصحفية التى سببت متاعب جمة لمحمود مسلم، لأنها كانت تضرب مصداقية الحزب الوطنى فى الصميم وتظهر مدى تواطئه مع الحكومة على إفساد الحياة السياسية فى مصر، وأذكر هنا على سبيل المثال فضحية الحكومة والحزب الوطنى فى قضية الرشاوى السياسية لنواب الحزب الوطنى بمجلس الشعب.

فحين حصلت "بالأسماء والمستندات والأرقام" على من حصلوا على هذه المبالغ والتى وصلت إلى 100 ألف جنيه لكل نائب من نواب الحزب الوطنى لصرفها على دوائرهم وثبت من المستندات أن نواب الحزب الوطنى قد صرفوها فى رحلات اليوم الواحد وشراء عجل أطفال والمساهمة فى تجهيز العرائس ومبالغ نقدية للمواطنين وكانت كل هذه المبالغ من ميزانية الدولة، حين حصلت على ذلك لم أجد أى صحيفة مستعدة لنشر هذه الفضيحة بالرغم من وجود المستندات وأشفقت على محمود مسلم من أن يتولى هو نشر هذه الفضيحة لأنه كان عضواً بالحزب الوطنى إلا أننى عرضت عليه الأمر ففوجئت بموقف أذهلنى باستعداده الكامل للنشر وتحت مسئوليته، بل أصر هو على عدم الإفصاح عن مصدره بالرغم من أننى كنت نائبا فى مجلس الشعب وأتمتع بالحصانة.

وبالفعل قام محمود مسلم، بنشر الأسماء كاملة للنواب المنتفعين بهذه الأموال، وأنا أعلم مقدار ما ناله من غضب، خاصة من أمين تنظيم الحزب الوطنى، أحمد عز، حيث كان النواب الحكوميون يستظلون بنفوذه وجبروته لوأد أى محاولة لنقد نواب الحزب الوطنى ومع ذلك فعلها محمود مسلم ولم يبال لإيمانه بأن فضح هذه الممارسات تحصب أساسا فى مصلحة الوطن وإن كانت تعارض مصالحة أو تعرضه للخطر.

وتأتى الخبطة الثانية حين أجرى محمود مسلم حديثًا مع المستشار مقبل شاكر فى برنامجه "منتهى السياسية"، حيث قرر رئيس محكمة النقض أن عدد الطعون المنقولة، والتى يتم إرسالها إلى مجلس الشعب بلغ 120 طعناً تقريبا واستندت لهذا الحديث بالجلسة العامة لمجلس الشعب حيث لم تعرض علينا أى تقارير ولم تعرضها اللجنة التشريعية، والتى كانت عضوا فيها حتى أننى سألت الدكتور أحمد فتحى سرور إن كان يوجد برلمان غير مجلسنا هذا؟ فرد على محمود مسلم عبر رسالة قصيرة ساخراً "بأنه يوجد برلمان الشباب وربما أن التقارير قد أرسلت إليه"، وطالبت المجلس ورئيسه ورئيس اللجنة التشريعية بأن نطلع على هذه التقارير دون جدوى.

فحصلت من مصادر خارج المجلس على قائمة كاملة بأسماء هؤلاء الأعضاء كان منهم نواب من الحزب الوطنى ومن المستقلين ومن الأحزاب، وحين اكتملت الأسماء وصور التقارير والأحكام تقابلت مع محمود مسلم فى مكتبه وعرضت عليه الأمر فرحب بنشر الأسماء وكانت لـ 77 نائباً بمجلس الشعب وقرر لى أنه مستعد لحجب المصدر كما حدث فى قضية الرشاوى السياسية فتملكتنى الغيرة من هذا الموقف الوطنى فقلت له هذا الموضوع سيقلب المجلس والدائرة الانتخابية عليك ولم أقبل إلا أن تنشر الأسماء بالكامل مع التأكد على أننى مصدر هذه الوثائق والمستندات.

بالفعل تم النشر فى جريدة "المصرى اليوم" عن هذه الفضيحة المدوية لتستر المجلس ومكتب اللجنة التشريعية على نواب تم انتخابهم بالتزوير.

وكما توقعت فبعد النشر ثارت ثائرة النواب وعلى رأسهم أحمد عز وتبارى النواب "خاصة نواب الحزب الوطنى" فى كيل الشتائم لمحمود مسلم ولجريدة المصرى اليوم ولشخصى وكنت قد تأخرت عن هذه الجلسة الساخنة لتسلمى باقى مستندات رسمية تؤكد صحة ما تم نشره، وحين حضرت للمجلس ذهبت إلى غرفة التسجيلات لسماع ما دار فى الجلسة أثناء غيابى للرد.

وعدت حيث قلت إننى أتحمل منفردا مسئولية ما تم نشرة من أسماء وردا على طلبات النواب بإحالتى إلى لجنة القيم طلبت صراحة بأنى يتوجه أى نائب ورد اسمه ولم يكن صحيحا أن عضويته باطلة أن يتوجه فورا إلى النائب العام وأنا مستعد للتحقيق ورفضت تماما موضوع لجنة القيم وبعد جلسة ساخنة استمرت لأكثر ثلاث ساعات قرر المجلس أن تجتمع اللجنة العامة للمجلس صباح اليوم التالى لتقرر ما تراه بشأنى وانتهى الأمر بتوجيه اللوم لى لنشر هذه البيانات وليس لعدم صحته وأذكر أن الدكتور سرور بالجلسة العامة "أحمد ربنا دول كانوا عايزين يدبحوك".

ولا شك أن شجاعة محمود مسلم وإقدامه على نشر هذه القضية كانت هى السبب الرئيسى فى تفجيرها.

وثم كانت معركتنا الكبرى "محمود مسلم وأنا" ضد فساد وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان.

فمنذ سقوط النظام السابق، لم أسمع خبرا أسعدنى مثل خبر القبض على محمد إبراهيم سليمان، والذى اتهمته بتضخم ثروته والتربح واستغلال النفوذ وإهدار المال العام وساندنى فى ذلك بقوة وشجاعة منقطعة النظير محمود مسلم، الذى نشر المستندات الرسمية الدالة على فساد الوزير السابق واستضافنى فى برنامج "منتهى السياسة" "وقناة الحياة" لنشر الوقائع وعرض المستندات وكانت شجاعة متمثلة فى أننا كنا نعلم "محمود وأنا" أن إبراهيم سليمان تحت حماية الرئيس السابق مباشرة فهو رجل الرئيس ورجل الأسرة، فهل كان من السهل فضح الرجل المقرب من مبارك وأسرته ووزير داخليته؟

لقد عاش معى مسلم لحظات الفرح بالحصول على مستندات تدين سليمان وساعد من خلال علاقاته بالتأكد من بعض المعلومات، وكان دقيقا ونزيها فى النشر، كما عاش معى "مسلم" لحظات الإحباط التى مرت بها هذه الحملة عندما كان النظام بكل جبروت يحمى سليمان ويتحدى الشعب... فكان "مسلم" الوحيد الذى يشد من أزرى ويدفع فى الأمل للاستمرار والمقاومة بالرغم التهديدات والضغط التى تعرضنا لها سويا ولم نفقد الأمل فى الله سبحانه وتعالى بعد أن فقدنا فى أجهزة كثيرة ومسئولين كبار كانوا يحمون سليمان طوعا أو كرها.

لم ترعبنا تهديداته وضغوطه والحكايات والأساطير حول نفوذه ولم تفلح معى محاولات سليمان للصلح كما لم تفلح مع "مسلم" الضغوط بل والإغراءات كى يتوقف عن الحملة.

ولن أنسى لـ "مسلم" خبطاته الصحفية التى أجراها ولم أكن مشاركا فيها، ولكننى كنت فرحا به، مثل كشفه لتفاصيل عقد مدينتى لأول مرة، وكشف لتزوير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب لأحد اجتماعاتها وتهديد أحمد عز لـ"مسلم" أمامى بسبب إثارته لهذا الموضوع، ومقالاته ضد فساد "ممدوح إسماعيل" وحادث العبارة وعلاقة "ممدوح إسماعيل" بـ" زكريا عزمى" فى قمة سلطانه ومقالاته ضد حكومة أحمد نظيف وأنس الفقى وتزوير الانتخابات ودفاعه عن المعارضة ونوابها ومهاجمة أحمد عز صراحة فى عدة مقالات وهى أمور يستحق عليها بحق الحصول على جائزة نقابة الصحفيين مرتين، حتى حواراته التى دائما ما تثير الجدل، مع د.مصطفى الفقى ود.فتحى سرور، الذى باغته مسلم بأسئلة استطاع بها إخراج أسرار حول مواقف هامة لم تعلن من قبل بعدها فاجأنا "مسلم" بحوار آخر مع مقدم الرقابة الإدارية المحترم والشجاع "معتصم فتحى" حكى فيه بالتفاصيل أسماء المستفيدين من إبراهيم سليمان.

هذه الشهادة حق عن صحفى بارع ومحترف ومحترم لعب دورا خطيرا فى كشف الفساد ومواجهة المفسدين، عاشرته فى كثيرمن المواقف والأزمات وسعدت بمعرفته عن قرب مدافعا عن الحق بكل قوة ودقة وأمانة ووطنية فى ظروف كانت صعبة ومرعبة.

أتذكر أننا كنا نتحدث بالإشارة تجنبا لمراقبة التليفونات ولعدم إحباط ما ننوى نشره، فكنت أتقدم بالبلاغ إلى النائب العام أو لجهاز الكسب غير المشروع ويكون البلاغ مع "مسلم" قبل أن أتقدم به وعقب خروجه من جهة التحقيق أحادثه تليفونيًا وأقول له كلمة واحدة "ديليسبس" ومعناها أن ينشر البلاغ حتى نلحق بالطبعة الأول أو أن أقول له "ذيع" كإشارة أخرى اتفقنا عليها تعنى الإذاعة فى البرنامج
"الحياة اليوم".

ولكننا الآن بعد أن دخلت الحكومة كلها السجن أقول للصديق المحترم "محمود مسلم" لقد تنفسنا معا نسيم الحرية وذقنا طعم النصر فانتهى عصر "ديليسبس" وبقى تقديرى واحترامى واعتزازى لصحفى جرىء ومحترم وشريف اسمه محمود محمد مسلم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة