سليمان الحكيم

الاستبداد صناعتنا!!

الثلاثاء، 12 أبريل 2011 07:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
علينا أن نتذكر أن مبارك فى بداية عهده لم يكن ديكتاتورا.. ولم يكن ينوى أن يكون الحاكم المستبد، الذى ينتهى به الحال إلى القتل أو الخلع.. بل ربما كان على العكس من ذلك.. مشروعا لحاكم ديمقراطى.. يحاول أن يتقرب من شعبه بالباع والذراع، كسبا للقبول ومشاعر الرضا.

حرص على رسم صورة ذهنية لشخصه فى إطار من التواضع الذى يتميز به ابن قرية أنبتته تربة مصر وطينها النيلى.. ثم سرعان ما تبدل الحال بحال وتغيرت الصورة بأخرى.. فإذا به الرجل العنيد الذى يعتبر النقد هجوماً والنصيحة انتقاصا.. والرأى الآخر عداء وخصومة.. فتحول التواضع إلى خيلاء والزهد إلى مكابرة، فقطع كل صلة له بما كان عليه.. أو ما كان يعد به.. فأصبح "مبارك الآخر"، الذى تفصله عن مبارك الأول مسافة بطول تلك المسافة التى تفصل بين كفر مصيلحة وشرم الشيخ.

لو سألتم مبارك الآن عن الصورة التى كان يفضل أن يطل بها علينا دوما؟ لقال لك على الفور هى صورته الأولى.. ولو سألته كيف انتقلت منها إلى الصورة الأخرى؟ لقال لك إن ذلك لم يكن بيدى فقد حملونى إليها ووضعونى فى إطارها بغير إرادتى.

فمن الذى فعل به ذلك يا ترى؟
إنه الإعلام الذى مارس كل فنون التملق والتزلف.. ليعزله عن الجماهير وينفرد به وحده.. ليصبح مديناً للإعلام بوجوده على الكرسى واستمراره فى الحكم، وليس مديناً للشعب والمواطنين.. حتى يضمن هؤلاء الإعلاميون استمراره فى مواقعهم الوثيرة والأثيرة.. باستمراره هو فى موقعه الأثير والوثير.

هكذا أصبح التملق والتزلف هو أقصر الطرق وصولا إلى قلب الرئيس – وليس عقله - وقلب الرئيس – وليس عقله – هو مصدر القرار، باختيار هؤلاء والإبقاء عليهم.. فأصبح مصير الاثنين واحداً.. بقاء الرئيس بقاؤهم، وخلع الرئيس خلعهم.

ولعل ما حدث مع مبارك حدث مثله مع كل الحكام الذين وصلت بهم الأقدار إلى مواقع السلطة.. وما نراه الآن فى كثير من الصحف وأجهزة الإعلام ما هو إلا محاولة لتكرار التجربة مع المجلس العسكرى.. هذه التجربة التى نرى سباقاً محموماً بين مختلف الصحفيين والإعلاميين لإعادة صياغتها وتدويرها مع أعضاء المجلس، صاحب سلطة القرار فى مصر الآن، فنرى الكثير من كتابات هؤلاء وأقوالهم تتضمن التملق لهؤلاء بكيل المديح لهم والاستطراد كلاما عن فضلهم على الثورة.. وكيف أن مصر مدينة لهؤلاء بحقن دماء أبنائها.. ولولاهم لما كتب للثورة أن تنجح، ولولاهم لاستمر نظام مبارك فى الحكم، حتى لو كان ذلك على تلال من جثث الشهداء، وكيف أنهم يواصلون الليل بالنهار حفاظاً على الثورة من الاختطاف وتحقيقاً لمطالب الثوار فى التغيير!

إنه نفس الدور الذى قاموا به مع مبارك فى السابق.. حين اختصروا بطولات أكتوبر كلها فى مجرد ضربة جوية قام بها وهو على الأرض فى غرفة القيادة المكيفة، وكيف إنه حافظ على الاستقرار فى مصر.. ولم يدخل بها فى مغامرات مجنونة تستنزف دماء أبنائها وأموالهم.. وهو حكيم أفريقيا وحامى حمى مصر والعرب.. إلخ!!

هكذا تحدث هؤلاء عن فضل مبارك على مصر، ولم يذكروا شيئاً عن فضل مصر وشعبها على مبارك.. حتى إن أحد رؤساء التحرير، بإحدى الصحف الحكومية، كتب له فى عيد ميلاده ذات مرة يقول: "لقد ولدت مصر يوم أن ولد مبارك"!!

نحن لا ننكر فضل القوات المسلحة على الثورة، وكل ما قيل فى ذلك وأكثر منه صحيح.. لكن الصحيح أيضا الذى لم يذكره أحد هو ما يتعلق بفضل الثورة على المجلس العسكرى، فهى التى انتقلت بهم إلى موقع الصدارة فى المشهد.. من محكومين إلى حاكمين، ومن مأمورين إلى آمرين، ومن مغمورين إلى مشهورين من ظلام القشلاق إلى أضواء الفضائيات الكونية.

لم يسع أحد منهم إلى الثورة، ولم يحرض أحد على القيام بها، ولم نسمع أحدا يتحدث عن الفساد والظلم والقهر الذى كان على مرأى ومسمع منهم، وحين قام الشعب بالثورة مضحيا بالمئات من خيرة أبنائه وصل هؤلاء إلى ما وصلوا إليه فى موقع الصدارة محمولين على الأعناق.. لم يكن للثورة قيادة فاختارتهم لها.. فأصبحوا القادة بالوكالة والتفويض، وعلى الجميع ألا يتجاهل هذه الحقيقة أو يتغاضى عنها، فالشعب هو صاحب الأصالة فى الثورة.. وإذا كان ولابد من التملق تقرباً وزلفى فليكن التقرب والتزلف للشعب، وليس لأى طرف غيره.. وأن يكون مسعانا لإرضائه وحده وليس إرضاء لغيره.. حتى لا نعود السطر حين نكتشف أننا استبدلنا ديكتاتورية فردية بديكتاتورية جماعية!!.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة