إذا ما وجهت هذا السؤال اليوم إلى كُتاب الصحف القومية الذين هاجموا البرادعى فلن تجد إجابة تقنعك، أو حتى تجعلك من مناهضى هذا الرجل، بل بالعكس ربما ساهمت كتاباتهم وإجاباتهم فى زيادة اقتناعك بأفكاره، وتأييدك لمواقفه، ومع تفشى الأمية والجهل فى مصر ستجد أنه كان من السهل على من هاجموه، وغيرهم ممن ساهموا فى تشويه صورته أن يلجأوا إلى هذه النوعية من الكتابة، لكونها تتفق مع فكر المتلقى لهم من الأميين والجهال على حد سواء.
تخيل مسئولاً بالحزب الوطنى مرتديا سترة صيفية ضيقة بأكمام قصيرة، تتجسد شحومه فيها على هيئة طبقات متراصة، جالساً على مقهى، ممسكًا بجريدة قومية، يقرأ منها سطورًا لهذا الكاتب أو ذاك، فيتلقى المواطن البسيط الجالس أمامه معلومة عن البرادعى يختزنها فى ذاكرته، وما أن يذكر اسم البرادعى أمامه مرة آخرى حتى يستعيذ بالله! كم مرة يا تُرى تكرر هذا المشهد فى محافظات مصر؟!
ثم تأمل ما كُتب فى أخبار اليوم، أو أعد قراءة ما نُشر بالأهرام، أو طالع أعمدة الصفحة الأخيرة لجريدة روزاليوسف على مدار العام الماضى، ستجد أن تناولهم للموضوع كان فى منتهى السطحية، وإن كانت متعمدة، فهى لم تتعرض لفكر الرجل ولا لبرامجه، ولا حلوله المقترحة، لأنها ببساطة منطقية.. وإذا ما كنت قد التقيت قبل الثورة بمن كتب، وسألته لماذا تكره البرادعى إلى هذا الحد؟ ستجده يهذى لك بعبارات غير مفهومة، وجمل غير مترابطة شبيهة بما كتبه، ولكن لسان حاله سيفضحه وستقرأ من عينيه الزائغة وأيديه المرتعشة، بأنه كان يكتب ليضمن مقعده كرئيس تحرير.
ومع بداية الحملة الشعبية لدعم البرادعى لمنصب رئيس الجمهورية، والتى انطلقت منذ أيام، وتركيزها الأكبر على تحسين صورة الرجل بهدف تغيير الثقافة السلبية، وأنه ليس كل ما يقال يُصدق، ومع تقديرى لنبل الغاية، إلا إننى مقتنع بأن فكر هذا الرجل كان أكبر من استيعاب المواطن العادى بكثير، وبرامجه كانت طموحة بصورة تفوق قدرة هذا المواطن على تخيل تحقيقها، فمن شدة القهر باتت بالنسبة له حلماً بعيد المنال، سرعان ما أفاق منه لكثرة غيابه عنهم، وعندما طالبوه بثورة التغيير لم يغشهم أو يخدعهم، وإنما قال لهم إن أردتم التغيير فيجب أن تسعوا اليه جميعًا، وهو أمر لم تعرفه الغالبية من قبل، نظرًا لاعتمادها الكامل على الحكومة فى كل أمورها، كما أن المواطن العادى لم يعتد على رجل دولة يخاطبه، بمثل هذا الرقى والتحضر دون عجرفة أو استعلاء أو استخدام سياسة المن، التى اعتاد عليها المسئولون السابقون، وهو نفس الأمر الذى استغله الصحفيون فى الهجوم على الرجل، فلم يطرحوا أفكاره للمناقشة بل تعاملوا معها بمنطق السوقة والدهماء، حتى يضمنوا قبولا لدى الجاهل لما كتبوا، وقد حدث ما توقعوه فأجبروا الرجل على الرد على شائعات سخيفة، وتفاهات بهدف تشويهه قبل الثورة، ثم تعطيله وتأخيره عن عرض برنامجه بعد قيامها.
الوضع الآن قد تغير 360 درجة، وإذا كانت الغالبية لم تكن تقرأ قبل الثورة، لأن ما كان يكتب لم يكن يستحق القراءة، فالناس الآن تناقش وتحلل وتهتم، والكثيرون يكتبون بحرية وهو مناخ يجب استغلاله بجدية فى تكثيف ظهور د.البرادعى، وتعويض فترات غيابه لعرض أفكاره وبرنامجه، فهو المرشح المحتمل الوحيد تقريباً الذى لديه رؤية واضحة ومحددة، وبرنامجا حقيقيا قابلا للتنفيذ، أما اللهث وراء تحسين صورته، وهى فى الأصل نقية، فلن يجدى، لأن المواطن العادى أصبح قادرا على التفرقة بين الغث والسمين، ومن ثم فإن الجهود المبذولة فى تحسين صورة الرجل لا طائل من ورائها، وستكون إعلاناً لنجاح أعدائه فى شغله بتوافه الأمور.
وإذا ما كان الذين هاجموه مازالوا مقتنعين بما فعلوه، فلا أعتقد أن أتباعهم ومن تلقى عنهم، مازالوا على نفس قناعتهم بعد الثورة، ومن تبقى منهم لا يجب أن نُعيره التفاتًا، فلا وزن حقيقى لهم فى ترجيح كفة مرشح على آخر، فهم قلة قليلة ستندثر من مجتمعنا مع مرور الوقت.
ختاماً إذا ما التقيت بأحدهم وهو يهاجم البرادعى عن جهل، فتذكر على الفور قصة المواطن الريفى البسيط الذى سافر للخارج، وهو لا يعرف لغة أجنبية، وعندما دخل مطعماً أخبره أحدهم أن اللحم الذى يتم شوائه أمامه، هو لحم خنزير فتراجع مقتنعًا، بما قيل له، واستعاذ بالله ثم غادر المطعم، بينما ظل الطاهى فى خلفية المشهد مستمرًا فى شواء الدجاج!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة