إنه هذا المبنى العتيق الذى يطل على كورنيش النيل، وكأنه صندوق الدنيا لما به من عجائب وغرائب، ففى يوم من الأيام لم يكن هناك دولة عربية تعرف شىء عن التليفزيون، بينما نشأ التليفزيون المصرى سنة1960، وكانت أول دراما تليفزيونية مصرية، وكان لنا رواد من مقدمى البرامج ونشرات الأخبار، وكانت أسماء لامعة من نجوم مقدمى البرامج رحمة الله عليهم جميعا، ومنهم سلوى حجازى - أمانى ناشد - ليلى رستم، وغيرهم من نجوم الشاشة، وعرفنا نجوم التمثيل فى هذه الأيام، وعرفنا ملك الفيديو المخرج الراحل نور الدمرداش بثلاثيته الطويلة من مسلسل الضحية والنصيب والرحيل، بطولة زيزى مصطفى وصلاح قابيل وغيرهم، فكانت لنا الريادة وكان هناك أناس مخلصون يحبون مصر ويعشقونها دون نظر او عمل حساب لما سيربحون من وراء إخلاصهم.
وعشنا ريادة فى الإذاعة والتليفزيون إلى أن استيقظنا لأول مرة على كابوس الإعلام الموجه سنة 1967، مع بيانات النكسة فى 5 يونيو، والتى كان بطلها الإعلامى أحمد سعيد، والذى كان ينقل لنا أحداث حرب 1967، وكأننا دخلنا تل أبيب ودحرنا العدو الإسرائيلى، ولم يبقَ إلا أن نبحث عن قطعة أرض نبنى عليه قصرا من قصور أحلامنا لنستيقظ على الهزيمة المرة، لم نتأكد منها إلا عندما سمعنا خطاب التنحى للرئيس جمال عبد الناصر والذى اعترف فيه بتحمله مسئولية الهزيمة، لنتأكد أن أحمد سعيد وإذاعتنا كانت تخدعنا وتلعب بمشاعر شعب بأكمله، تماما كما فعلها معنا الصحاف من 8 سنوات، فهذه هى سياسة الإعلام الموجه التى كان يتبعها الإعلام المصرى، والتى تجعل كل شىء عن صحة الرئيس خطوط حمراء، والحقائق ومصارحة الشعب بحقيقة الأمور التى تدور حوله إلى أن يصبح الشعب مغيبا تائها عن كل ما يدور حوله، فالحياة رائعة، والأمور الأمنية مستتبة، تليفزيون كرتونى تماما كالقائمين عليه لا يمت للواقعية بشىء حتى لو كل الأدلة تشعر الشعب بغير ذلك.
وتبدأ قناة الجزيرة التابعة لدولة صغيرة مثل قطر دق ناقوس خطر يهدد الإعلام المصرى، بل ويهدد الإدارة المصرية كلها حتى رأس الهرم، أى رئيس الجمهورية نفسه وحكومته فأصبحت تنغص عليهم كل شىء فى حياتهم لأنها أصبحت كالأخطبوط، تعرف كل شىء بإمكانيات مهولة مدعمة من الدولة، وإمكانيات بشرية لا تبخل عليهم ليصلوا إلى أدق الأسرار فى العالم، فتعملقت على تليفزيون وإعلام مصر الذى ترك الفرصة لها تعبث كما تشاء لضعف الإعلام المصرى الذى تغنى بالريادة الزائفة التى تتحطم لعدم وجود الديمقراطية والشفافية.
والسبب هو إمبراطورية الفساد والتى عششت فى هذا المبنى العتيق، فمسئولية جعلوا الفساد يتوغل فى كل شىء حتى أن وزيرا مثل ممدوح البلتاجى لم يستمر أكثر من ثلاثة شهور عندما بدأ يحاصر الفساد ويحاربه، ولكن اللوبيات الموجودة فى داخل المبنى العتيق حاربته وتمكنت منه، لتهزمه شر هزيمة فيعتذر عن الوزارة بحجة ظروفه الصحية، ويعترف أمام الراحل البارع الصحفى الكبير الذى كان يقدم برنامج فى الممنوع، والذى كان مسمى على اسم فى عموده اليومى على جريدة المصرى اليوم، يعترف بأن هذا المبنى مبنى للرعب حيث أن اللصوص والفاسدين فيه أقوى من أى وزير، لدرجة أن لوبى الفساد هو الذى كان يعمل بشتى الطرق للقضاء على الوزير، وانتصر بالفعل لأنه، وفى عهد أنس الفقى انفتح عهد الفساد على البحرى كما يقولون، وانتهت أسطورة الريادة خاصة، بعد ثورة يناير التى كان التليفزيون المصرى فيها لا يسمع لا يرى لا يتكلم، مما جعل العاملون به يثورون على سياسة التعتيم التى لا تناسب عصر القنوات المفتوحة، وانتهاء حقبة تليفزيون الستينيات التى كانت تعتم على كل شىء، ولا تتيح للمواطن أن يعرف إلا ما تريده له أن يعرف.
ولازال الفاسدون من قيادات المبنى يقاومون بكل قوة رغم المطالب والأصوات، التى تنادى بأعلى صوتها أسفل المبنى منذ أكثر من شهر برحيل القيادات الفاسدة، ولكنها متشبثة بكل ما أوتيت من قوة، لكى تستطيع أن تجمع قدرا ممكنا من المال الحرام بلا وازع من ضمير يكدر صفوهم ويرجعهم إلى صوابهم، ولكن إلى متى سيستمر هذا الحال
محمد الحفناوى يكتب:لغز وغموض ما يحدث فى المبنى العتيق
الجمعة، 01 أبريل 2011 12:24 ص