أشعر أننا فى حلم جميل، لكننا نريد الخروج منه إلى الأجمل، بالأمس تأملت تعابير وجهه وهو يتمشى فى رحاب ميدان التحرير متلفتا حوله بإعجاب شديد بكل شباب وشعب مصر الذين أعلوا رؤوسنا جميعا بهذه الثورة الشريفة البيضاء الطاهرة، يتلفت رئيس وزراء بريطانيا حوله فى الميدان الذى ذهب إليه بناءً على طلبه قبل توجهه لمكان اجتماعه برئيس الوزراء المصرى: أريد أن أشاهد ميدان التحرير الذى ظللت أتابعه لعدة أسابيع عل شاشات التلفاز البريطانى، جاء مفعما بالأمل لمستقبل جديد من تعاون أفضل بين حكومة بلاده ومصر فى ظل عهد جديد نتمنى أن يكون زاهيا مليئا بديمقراطية حقة، ومسئولية فردية لكل منا.
هذه بلادنا التى يحث الرئيس الأمريكى أوباما شباب بلاده على التأسى بشباب مصر وشعبها فى انتمائه وحبه وكفاحه من أجلها، فضرب لنا وللعالم أجمع مثالا رائعا من الولاء والانتماء والحب الحقيقى لبلادنا.
لقد شاهدت طفلا صغيرا فى شارعنا لا يعدو ثلاث سنوات يشكو لأمه أنه لا يجد مقشة ليكنس بها مع إخوته الشارع، فتهدئه أمه وتناوله مقشة صغيرة فيحملها بسعادة وهو يحاول أن يقلد بقية الأولاد فى تنظيف شوارعنا وتجميلها بدهان الأرصفة بالألوان الأبيض والأسود ودهان بعض الأشجار بألوان العلم.
الآن فقط سأنسى ذلك المشهد الذى رأيته منذ شهرين فى مترو الأنفاق عندما شاهدت طفلا يناول أمه ورقة كيس البطاطس المقرمشة بعدما انتهى منه لا يعرف أين يذهب بها، فإذا به يطبقها ويناولها لأمه التى تقوم ببذل جهد كبير لفتح نافذة عربة المترو لإلقائها منه ببساطة والطفل يراقبها، وكذلك كررت نفس السلوك عندما انتهت طفلتها الأخرى من كيس البطاطس فتلقى به الأم من نافذة عربة المترو وكأنها بذلك تضرب لهما المثل فى قلة النظافة، وأن هذه هى الطريقة التى تعلمهما إياها للتخلص من أكياس البطاطس أو أية أوراق للمهملات.
الآن لا أتوقع أن يتكرر هذا المشهد مرة ثانية، ورغم ما يحدث من حملات لتنظيف شوارعنا إلا أنه لا يزال هناك أناس ليس لديهم ثقافة النظافة يلقون الزبالة من نوافذ سياراتهم وأمام بيوتهم.
نريد أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا وما حولنا من فساد وأخطاء نتسبب فى كثير منها.
فى البداية كان البعض يائساً من حال البلد وكان يقول وهل أنا وحدى مسئول عن نظافة البلد، فكل الناس ترمى فى الشارع، الآن أقول لمن كان يردد هذا القول، إن البلد بلدنا، والآن بطلت حجتك وقوم بدورك وابدأ بنفسك فى الحفاظ على نظافة مصر.
العلم الذى لم نكن نراه فيما سبق إلا فى مباريات كرة القدم، الآن نراه فى كل مكان وكل شارع وعلى وجوه الأطفال، وفى داخل بيوتنا، كنت أعجب عندما أرى فى احتفالات بعض الدول بيومها الوطنى كيف أن مواطنيها يزينون سياراتهم بلون العلم الوطنى ويعلقونه فى شرفات بيوتهم، ويرتدون ألوانه فى ملابسهم، ومن بين هذه الدول على سبيل المثال سنغافورة والإمارات ودول أخرى كثيرة، كنت أتعجب وأتساءل كيف يحتفلون من قلوبهم باليوم الوطنى فى بلادهم، وأننا ربما لا نشعر باليوم الوطنى فى بلادنا، وعن نفسى لم أشعر به فى 23 يوليو وإنما فى ذكرى أكتوبر المجيد، خاصة خارج مصر، عندما كانت تخالطنى مشاعر الغربة والحنين بذكرى الانتصار، وأذكر وقتها وكنا فى احتفال رسمى للسفارة المصرية فى أبو ظبى، فاقترب منا بعض الإخوة العرب، وقالوا: إننا دعونا أنفسنا لهذا الاحتفال لأننا نعتبر هذا اليوم يوم نصر للعرب جميعا، إذا انتصرنا على إسرائيل، وكان بعضهم من سوريا، فقالوا ونحن أيضا شاركنا معكم، فرحبنا بهم وقلنا أنتم لا حاجة لكم لدعوة فى بيتكم "السفارة المصرية".
أعتز كثيرا بهذه المشاعر الوطنية الجارفة الأصيلة التى أجلت بوضوح وظهرت على أصلها الطيب فى وقت الشدة وقت الكفاح، وقت اجتمعت فيه طوائف الشعب حول شباب أطلق الشرارة الأولى للثورة الطاهرة.
انتعش الأمل فى القلوب، وحل محل اليأس والإحباط، الأمل فى وجه الله لا يخبو فى أن يجعل شعبنا دائما محبا متعاطفا متراحما مستلهمين روح ثورة 25 يناير، لا نريد أن تتركنا هذه الروح أبدا، صحيح أن قليلين كانوا يقاومون هذه الروح قبل 25 يناير بقلوبهم، ولكنها الآن أيقظت وانجلت، رأيت رجلا يحاول مساعدة آخر ليجد مكانا لركن سيارته قائلا: أى خدمة حضرتك، من غير أى حاجة، مصر تغيرت.
والحقيقة أن الشرفاء والمحبين كانوا موجودين من قبل والبعض الآخر كان سلبيا نائما، الآن الجميع بدأوا يستيقظون، وأدعو الله ألا يشمت فينا عدو، وأن تستمر هذه الروح الجميلة من الحب والانتماء والغيرة والحفاظ على الوطن وأن نضرب دائما مثالا يحتذى به، وأن يطهر قلوب من لم تطهر قلوبهم بعد فينضمون إلى الركب، وباب التوبة لله تعالى مفتوح دائما للجميع.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة