صدر مؤخرا قانون الأحزاب الجديد، والذى أعتبره الكثيرون خطوة للأمام، وتحقيقا لمطالب الحركة الوطنية والشعب المصرى لسنوات طويلة، وأرى أنه خطوتين للخلف، وأنه التفاف على مطالب الحركة الوطنية ومكاسب الثورة.
بالطبع سيتم قبول تأسيس العديد من الأحزاب فى الفترة القادمة، والتساهل فى تطبيق القانون حتى تفوت الفرصة على نقضه، وكشف تقييده للكثير من الضمانات والحقوق التى طالبت بها الحركة السياسية المصرية ربما منذ 1952، وذلك على النحو التالى:
- مادة4: شروط تأسيس الحزب منها، "أن يكون للحزب اسم لايماثل أو يشابه اسم حزب قائم"، وهو نص يسمح للمحكمة باعتبار كلمة ديمقراطى أو حر أو اشتراكى حال ورودها فى اسم أى حزب.. تشابها، وبالتالى لا يجوز تكرارها إلا فى اسم حزب واحد قائم.. ويكون هذا سببا لرفض العديد من الأحزاب.
- مادة 6 بند1: شروط عضوية الحزب، "أن يكون مصريا، فإذا كان متجنسا وجب أن يكون قد مضى على تجنسه خمس سنوات على الأقل"، وكذلك يشترط فيمن يشترك فى تأسيس الحزب "ألا يتولى المناصب القيادية فيه إلا من هو مصرى أب".. وهذا مخالف مخالفة واضحة للدستور سواء القائم أو القادم.. ينص القانون على أن يكون العضو القيادى فى الحزب من أب مصرى وليس أم مصرية.. وهو تمييز بين المواطنين على أساس النوع.
- مادة8: "ويعد الحزب مقبولا بمرور ثلاثين يوما على تقديم إخطار التأسيس دون اعتراض اللجنة.. وفى حالة اعتراض اللجنة على تأسيس الحزب، تصدر قرارها بذلك، على أن تقوم بعرض هذا الاعتراض خلال ثمانية أيام على الأكثر على الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا لتأييده أو إلغائه، ويعتبر القرار كأن لم يكن بعدم عرضه على هذه المحكمة خلال الأجل المحدد"، أى أن اللجنة لا زال يحق لها الاعتراض.. إذ أن تأسيس الأحزاب ليس بالأخطار كما يحاولون الترويج وهنا ليست المشكلة، فالطبع يحق للجنة الاعتراض إذا كان الحزب مخالفا لشروط تأسيس الأحزاب فى القانون.. ما دام الاعتراض سيكون أمام القضاء كما سيأتى فى المادة التالية.. لكن المشكلة أن الاعتراض هنا سيمنع الحزب من ممارسة نشاطة حتى يتم البت فى الاعتراض أمام القضاء.
- مادة 9: "يتمتع الحزب بالشخصية الاعتبارية الخاصة، ويمارس نشاطه السياسى اعتبارا من اليوم التالى لمرور ثلاثين يوما على إخطار لجنة شئون الأحزاب دون اعتراضها، أو لتاريخ إصدار اللجنة موافقتها على تأسيس الحزب، أو لتاريخ صدور حكم الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا بإلغاء قرار اعتراض لجنة شئون الأحزاب على تأسيس الحزب، أو لمضى مدة الثمانية أيام اللازمة لعرض اعتراض اللجنة على الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا"، أى أن ممارسة الحزب لنشاطة مشروطة بموافقة اللجنة، وفى حالة اعتراضها يظل نشاط الحزب محظورا حتى تصدر المحكمة حكمها فى الاعتراض.. حتى لو طال الأمر لسنوات كما كان يتم فى السابق.. بل إن القانون السابق (ولست متأكدا من ذلك قانونا لكنى متأكد عمليا) كان يسمح للأحزاب تحت التأسيس بالنشاط تحت مسمى حزب تحت التأسيس.. ولنا فى مثال أحزاب الغد والكرامة التى ظلت تعمل لسنوات تحت التأسيس، حتى حصل الغد على موافقة سبقت الحكم القضائى بيوم، ولم يحصل الكرامة على الحكم بعد رغم استمرار نشاطه لسنوات.
- مادة 11: "تتكون موارد الحزب من اشتراكات أعضائه وتبرعات الأشخاص الطبيعيين المصريين، وكذلك من حصيلة استثمار أمواله فى الأوجه غير التجارية التى يحددها نظامه الداخلى"، وهنا يحظر القانون الأحزاب ممارسة النشاط التجارى، ورهن قدرات الحزب المالية فقط بتبرعات أعضائه وأنصاره.. وهو ما يحد من القدرات المالية للأحزاب.. ويجعلها رهينة للأغنياء فقط ممن يستطيعون الأنفاق على أحزابهم وأنشطتهم.
إن تشكيل لجنة الأحزاب من هيئات قضائية هى خطوة للأمام بالتأكيد، لكن شروط التأسيس وحظر ممارسة النشاط قبل الحكم القضائى وتحجيم القدرات المالية للأحزاب ورهنها بالأغنياء فقط، هو إقصاء للقطاع الواسع من المصريين غير القادرين على التبرع لأحزابهم، وبالتأكيد سيمثل ذلك خطوتين للوراء، ومصائر الأمم لا يجب أن ترتبط بالنوايا الطيبة للجنة ما حتى لو كانت قضائية، لأنه عندما يعرض الأمر على المحكمة فهى ملزمة بتطبيق نصوص القانون.