هناك مثل شهير فى اللغة الإنجليزية يقول "The Leopard can't change his skin "
معناه الحرفى أن النمر لا يستطيع تغيير جلده، ولكن يقصد به أن الإنسان لا يغير من طبعه فالطبع غلاب. ويتضح هذا جليا فى علاقتنا برجال الشرطة، ففى الوقت الذى نبذل فيه كل المساعى من أجل التقريب بين رجال الشرطة، وبين عامة الشعب من المواطنين، ونعمل جميعا جاهدين على غلق كل الملفات القديمة وفتح صفحة جديدة بيضاء، حيث امتلأت الصفحة القديمة عن آخرها، ولم يعد بها مكان، حيث امتلأت جميع سطورها بمخالفات الشرطة من جانب، وآلام وأحزان الشعب من الجانب الآخر، حتى لم يعد هناك مكان لفاصل ولا بين السطور.
وكما كانت الثورة بداية لكل تغيير فقد عهدنا بها أن تكون بداية لتغيير، بداية علاج لهذا العضو المريض فى جسد نظام فاسد أصابته العلة سنوات وسنوات حتى احتضر ولفظ أنفاسه الأخيرة فى ميدان التحرير بين أيادى الثوار، وكما تداوى الأم ولدها العليل وتحتضنه حتى يشفى ويتعافى، احتضنت مصر أبناءها من رجال الشرطة تحتويهم وتمنحهم العطف وتمد لهم يد العون حتى يتماثلوا للشفاء من جرح أصابهم تضمد جراحهم وتعينهم على استعادة الثقة فى أنفسهم وفى قدرتهم فى محاولة من الأم للصلح بين جميع أبنائها من شرطة وشعب.
وها نحن أبناءها أسرعنا جميعاً نلبى نداء الأم وممدنا أيادينا بالمحبة والصفح والغفران على الرغم من اعتراض الكثيرين وعدم مقدرتهم على العفو، إلا أننا جميعا فى نهاية الأمر، قد اتفقنا على أن نتسامح، واكتفينا أن يحاسب المخطئ ويأخذ جزاءه، وأن يبرأ كل ذى حق، وأن لا نترك السيئة تطغى على الحسنة وتمحيها ولا نعمم الكره والاتهام بل حاولنا جاهدين أن نحق الحق، ونعطى كل امرئ قدره، وظهر ذلك فى حديثنا وكتاباتنا ودعواتنا بلم الشمل، ونسيان ما قد فات.
وقبل أن تلتئم الجراح ويبرأ العليل، فوجئنا جميعا بمن يضغط بكل قوة على هذا الجرح، محاولاً فتحه من جديد عندما شاهدنا جميعا تلك الصور التى عرضت على شاشات التلفاز على إحدى قنواته (أون تى فى) صوراً لمقار أمن الدولة، التى تم اقتحامها فى بعض المحافظات، فوجئنا بكميات هائلة من الأوراق تم إعدامها لما تحويه من مخالفات بغرض التخلص منها ودفن أسرارها وحجرات سرية أعدت للتعذيب، وأخرى للصعق بالكهرباء، ومقابر بحديقة أحد المقار، وأنباء عن وجود سجناء داخل سراديب سرية امتدت تحت الأرض، لا يعرف مكانها سوى المهندسين الذين قاموا بتصميمها، وعدد قليل جدا من قيادات الداخلية، وتسجيلات صوتية لمكالمات وأسرار شخصية فى انتهاك سافر لحرمة المواطنين أشياء كثيرة أشعرتنا بأننا ما زلنا فى عصر البوليس السياسى ومراكز القوى، وأن الراحل صلاح نصر لم يمت بل بعث فى ثياب قائد جديد. كلنا جميعا كنا نعرف أن هناك العديد من المخالفات والجرائم ترتكب داخل أسوار هذا المبنى وهذا الجهاز الذى تمتع لسنوات طويلة بسمعة ليست بالجيدة، إلا أننا لم نكن نتوقع كل هذا القدر والكم والكيف من أساليب القمع والظلم والفساد.
أكتب كلامى هذا وكلى أمل فى أن أفتح صحيفة الغد لأجد الخبر الأول فيها عن حل وتفكيك هذا الجهاز وتحديد مهامه، ليصبح كما يجب أن يكون جهازاً معلوماتياً فقط، وأن تنتهى تبعيته لجهاز الشرطة، فلا يصح أبداً لدولة متقدمة تسعى لتحقيق الديمقراطية أن تحتفظ بمثل هذا الجهاز بنفس المنوال الذى كان يعمل عليه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة