لقد كان اختيار المجلس الأعلى للقوات المسلحة للدكتور عصام شرف، موفقاً للغاية، خاصة وأنه قد ولد من رحم الثورة المصرية، عندما نزل بنفسه فى بدايتها إلى ميدان التحرير مشاركاً أبناء مصر فى تطلعاتهم نحو غد أفضل، كما أن اسم د. شرف كان مطروحاً بقوة لدى قطاع كبير من شباب التحرير، ليكون بديلا للفريق أحمد شفيق، فى رئاسة وزراء مصر خلال الفترة المقبلة.
من هنا نجد أن د.شرف يعد رئيس الوزراء الأول الذى يحظى بإجماع شعبى، منذ حركة الضباط الأحرار عام 1952، وبالتالى يمكننا اعتبار حكومته بمثابة وزارة الشعب الثانية، بعد حكومة الزعيم التاريخى سعد زغلول، والتى تشكلت عام1924، وهو الأمر الذى دفع د.شرف، فى تقديرى، إلى الذهاب إلى ميدان التحرير، الذى أعطاه الشرعية، بعد تكليفه مباشرة، ليتعهد أمام جموع المصريين ببداية عهد جديد، يكون بداية لمستقبل مشرق، تطلع إليه آلاف المصريين منذ 25 يناير الماضى.
وبالرغم من أن حكومة د.شرف، ما هى إلا حكومة تسيير أعمال، إلى حين انتهاء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، إلا أن المسئولية الملقاة على عاتقها، تعد الأصعب على الإطلاق فى التاريخ المصرى الحديث.
فقد أراد القدر أن يجعلها حكومة فريدة من نوعها ليكون لها السبق، بين كل الحكومات المصرية السابقة منذ أكثر من ستة عقود، فى تولى المسئولية، فى ظل ظروف مختلفة تماماً، ما حدثت من قبل- ولا أعتقد تكرارها خلال المستقبل المنظور، سواء من حيث التوقيت، أو من حيث طبيعة المهمة المطلوب إنجازها خلال المرحلة الحالية.
فلو نظرنا إلى التوقيت الذى تولت فيه حكومة التاريخ مسئوليتها، نجده غاية فى الصعوبة فى ظل انفلات أمنى، غير مسبوق، تشهده البلاد منذ بداية الأحداث، وهو ما خلق حالة من الفوضى، والتى يجب احتواؤها فى أقرب وقت ممكن.
كما تعد طبيعة المهمة التى يجب أن تؤديها حكومة د.شرف، خلال الأشهر القادمة، جديدة تماماً ربما تكون الأولى منذ عقود، حيث إنها تتمثل فى الأساس فى الإعداد لجمهورية جديدة، تقوم على احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الالتزام بالشفافية ومكافحة الفساد ومحاسبة القائمين عليه، بالإضافة إلى كونها الحكومة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، التى سيحاسبها الشعب الذى أعطاها الشرعية، والتاريخ الذى سيشهد بكل دقة على اللحظة الراهنة، والتى تعد الأهم بين عقود مضت وعقود أخرى قادمة، بالإضافة إلى المجلس العسكرى الممسك بزمام الأمور حاليا.
فى الواقع أن استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمطلب الجماهير، باختيار د.عصام شرف ليكون رئيساً للحكومة الانتقالية، إنما يعكس إدراكاً بالغاً من جانب القيادة العسكرية الحاكمة، لخطورة وجسامة المسئولية الملقاة على عاتق تلك الحكومة، والتى يستلزم إنجازها تحقيق التعاون الكامل بين الشعب وحكومته التى كلفها.
وهو ما يعنى أن المجلس العسكرى الحاكم قد ألقى بالجزء الأكبر من المسئولية على الشعب المصرى، والذى يمكنه إنجاح حكومته أو إفشالها بمقدار تعاونه معها. تعد كذلك المرحلة الحالية اختباراً تاريخياً للعقلية المصرية، ومدى قدرتها على تحقيق التوازن بين مبادئ الديمقراطية التى نتطلع إلى تطبيقها، والمسئوليات المترتبة عليها.
بيشوى رمزى رياض يكتب: وزارة الشعب الثانية.. وموعد مع التاريخ
الأربعاء، 09 مارس 2011 09:33 ص