كان اسم جهاز أمن الدولة إلى وقت قريب كفيلاً بأن يبث الرعب فى النفوس.. ويجعل الخوف يمتلكك من رأسك إلى أخمص قدميك.. خاصة إذا علمت أنهم يريدون مقابلتك، أو إذا شاء حظك العاثر أن يزوروك بعضهم فى منزلك فجرا.. ويطلبون منك النزول معهم من بيتك إلى التحقيق بعد أن قطعت أحلامك وتخليت عن استكمال تناول طبق الرز مع الملائكة أثناء النوم، وتستبدله بتناول ضرب وإهانة وإهدار للكرامة الإنسانية، عند وصولك إلى مقر التحقيق، وتتسارع مع وصولها إلى أذنيك دقات قلبك.. تدور بذهنك ألف سؤال..أبرزهم لماذا؟ كما لو كنت تتمنى أن تبتلعك الأرض.. قبل ذهابك..
فمصيرك قد يكون مثلما تمنيت.. ولكن ليس بيديك بل بيديهم
''مباحث أمن الدولة"!!
أسرار تُعرض للمرة الأولى، نجح المتظاهرون وثوار 25 يناير فى كشفها، خزائن من الملفات والأوراق التى تتعلق بكل شىء فى حياة المصريين، مأكل، مشرب، ملبس، مسكن، عمل، سفر، مسجد، جامعة، حتى أكثر الأشياء خصوصية، كان لهم أنف فيها.
فمع اندلاع الثورة ونجاحها كل يوم فى تحقيق مطالبها، لم يكن يتصور جهاز أمنى بمثل هذه القوة التى كان عليها، أن يأتى الدور عليه، لكشف فساده وفضائحه التى فاحت روائحها والتى قهرت المصريين لعشرات السنين، أن يأتى عليهم وقت يذوقوا فيه بعض مما أذاقوه للجميع..
ولقد كان هناك تقليد معتمد فى بلدنا قبل ثورة 25 يناير، أن قيادات أمن الدولة عندما تنهى عملها اللاإنسانى بجهاز أمن الدولة تنتقل لتولى مناصب سياسية مهمة كوزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية.. فقد تولى وزارة الداخلية من أبناء جهاز أمن الدولة اللواء عبد العظيم فهمى، وممدوح سالم (وزيراً للداخلية ثم رئيسا للوزراء) وسيد فهمى، وحسن أبوباشا، وأحمد رشدى، وحبيب العادلى.
والتعذيب فى أمن الدولة أمر منهجى فى هذا الجهاز القمعى، وكل مكاتب أمن الدولة بها أماكن وأدوات للتعذيب ولا تخضع لأى تفتيش أو رقابة، وربما يصل التعذيب إلى حد القتل والتمثيل بالجثث.
وقد ذكر المئات من المعتقلين السابقين من قبل جهاز أمن الدولة حدوث تجاوزات شديدة بحقهم، من إهانات وضرب، واعتداءات جنسية وصعق بالكهرباء وإطفاء السجائر فى جميع أنحاء الجسد، وإدخال الشوك والإبر الحادة فى الأظافر، والضغط على المعتقلين ليعترفوا بأشياء لم يرتكبوها.
ومن المعروف أن العاملين فى جهاز مباحث أمن الدولة يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة، هذا بالإضافة إلى استغلال بعض الذين كانوا يعملون بهذا الجهاز لنفوذهم وسطوتهم فى القيام بشتى أنواع الفساد.. وفى يوم 4 مارس 2011 تم اقتحام مقر أمن الدولة بالإسكندرية بمبنى الفراعنة والعثور على وثائق ومستندات.. وفى يوم 5 مارس 2011 تم اقتحام المقر الرئيسى لمباحث أمن الدولة بمدينة نصر والعثور على وثائق ومستندات مفرومة ومحروقة.
وقد كشف اقتحام مقار جهاز أمن الدولة، من قبل المتظاهرين المصريين عن فضيحة مدوية للجهاز، حيث عثر المتظاهرون على وثائق تكشف عن تجسس الجهاز على مسئولين، مثل مفتى مصر الدكتور على جمعة، ورئيس هيئة الطاقة الذرية السابق محمد البرادعى، وغيرهما، وكتابة تقارير لتهديد صحفيين وإعلاميين، واتهام أكاديميين معارضين بالشذوذ، ما يؤكد خروج الجهاز تماماً عن مهمته، حتى أصبح كابوساً جثم طويلاً على صدور المصريين المطالبين بإلغائه، وهو ما دفع رئيس الوزراء المصرى عصام شرف إلى إقالة وزير الداخلية اللواء محمود وجدى الذى أمر بحرق الوثائق، قبل أن يتمكن المتظاهرون من إنقاذ بعضها، كما أصدر قراراً بتعليق العمل بالجهاز لحين إعادة هيكلته.
إن نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير مرهون فى جانب كبير منه، فى إصلاح جهاز أمن الدولة، الذى استحل حرمات المواطنين وحرياتهم من دون مساءلة لعقود طويلة أو إلغائه تمامًا حتى نفتح صفحة جديدة لمرحلة جديدة نتوحد جميعا للارتقاء بهذا الوطن الذى هو أغلى الأوطان.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة