قبل حوالى عشرين عاما حضرت افتتاح المرحلة الأولى لمشروع النهر الصناعى العظيم فى ليبيا، فى حضور العقيد معمر القذافى، وعدد من الرؤساء العرب والأفارقة فى هذا الوقت، ويومها قلت إنه هذا الرجل غير طبيعى.
وبداية القصة بدأت عندما كان عدد من الزملاء المصورين الصحفيين يتزاحمون لالتقاط الصور، ووسط هذا الازدحام لطم القذافى إحدى حارساته بيديه، وركلها بقدمه، وكان المشهد يمثل لأى مصور صحفى فرصة نادرة وصورة تاريخية، ولمح القذافى أحد الزملاء المصورين يركز فى التقاط صورة وهو يتعدى بالضرب على حارسته، وبعض المتزاحمين فى المشهد.
وكان رد الفعل فعلا غير طبيعى من شخص تأكد لى أنه غير طبيعى، وبدلا من أن يشير الى أحد حراسه، أو بالأحرى حارساته اللآتى يفضلهن عن الرجال لأسباب لايعلمها إلا هو، لمنع المصور الصحفى من نشر الصور، والتفاهم معه بالحصول على "النيجاتيف"، الا أن القذافى تصرف بنفسه، وهجم على المصور الصحفى كشرطى أمن مركزى، ليخطف الكاميرا ويحطمها، ولم أر المصور فى هذا الازدحام.
عدت الى القاهرة وعرضت الأمر على المرحوم فيليب جلاب رئيس تحرير الأهالى فى هذا الوقت، لكتابة القصة، الا أن رئيس التحرير، اعتذر منى، لأسباب سياسية، ومن هذا اليوم ظللت أمقت هذا الرجل، ولدى يقين أن من يتصرف بهذه الطريقة، حتما ليس لديه الا نصف عقل، أو ربما أقل، ورفضت السفر فى مهام عدة إلى ليبيا، تجنبا من الكتابة عن شخص يدعى أنه المدافع عن القومية العربية، والعروبة منه براء.
وعندما سافرت مرتين بعد ذلك إلى ليبيا عدت ولم أكتب كلمة واحدة، وقبل شهور قليلة، حضرت مؤتمرا اقتصاديا حول الترويج الاستثمارى الليبى، وأمام اعترافات مسئول لجنة الاستثمار الليبى بأن بلاده لا تملك المقومات الكفيلة بتشجيع رؤوس الأموال والمستثمرين، وأنها ستبدأ خططا لتشييد بنى تحتية خلال السنوات العشر المقبلة.
وبفضول الصحفى سألت المسئول الليبى، وأين كانت تفعل ليبيا خلال العقود الأربعة الماضية، وأين ذهبت أموال النفط الليبى، لتأتوا وتستجدوا رؤوس الأموال الخارجية، ومن المسئول عن هذا التخلف فى البنى التحتية، لم يلتفت الىّ المسئول، وأخذ ينظر يمنيا ويسارا، ليتأكد أن أحدا لم يسمعنى وأنا أقف معه وأساله، وقال أقول لك نحن نحتاج الى بناء دولة!!
هذا هو القذافي، وتلك هى ليبيا القذافى، وما يفعله اليوم، ضد شعبه، يكشف عنه وجه الدموى، الحقيقى، وكل كلماته السابقة عن العروبة والقومية، أو حتى عن أفريقيا، وهم ، و"هلوسات" شخص مجنون فعلا، وهل ننسى ما اقترحه بتأسيس دولة "اسراطين" لتجمع بين فلسطين والكيان الاسرائيلي، فهل عاقل يقول ذلك.
وهل من عاقل يأمر شعبه أن يحمل السلاح ويطلق الرصاص الحى على معارضيه، وبالتالى لا أستغرب ما قاله ابنه، سيف الإسلام، لأن العلم أثبت أن الجينات الوراثية تنقل كافة الصفات من الأب إلى الأبناء، بل إن قرار القذافى باستخدام الطائرات للقصف الجوى على المتظاهرين، لهو دليل على جنون أكبر.
والمتتبع لتصريحات القذافى من بداية ثورة 17 فبراير وأول ظهور له ليلا، وحتى خطابه يوم الجمعة الماضى، مهددا بفتح مخازن السلاح لتسليح أنصاره والقبائل لمواجهة معارضيه، يتضح أن مؤشر الانهيار للقذافى وعائلته يتم خطوة خطوة، وبأسرع من المتوقع، وحبل المشنقة يلتف حول عنقه، إن عاجلا أو آجلا، لتصبح زنزانته أنهارا حمراء عليه فقط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة