من كان يتخيل أننا يمكن أن نعيش هذا الحلم، فلقد عشنا سنوات طويلة محرومين من الحلم، وكانت أحلامنا أشبه بالكوابيس التى نصحى عليها لنجد كل شىء كما هو نفس الوجوه ونفس الأشخاص حفاظاً على المقولة الكاذبة التى كانت تسمى الاستقرار والحقيقة أنها لم تكن أبداً استقراراً، بل نوماً وثباتاً وبعد النوم العميق لثلاثة عقود صحونا فجأة على أحداث غيرت مصر تغييراً لم يكن أكثر الموهوبين من الشعراء أن يتخيله وشاءت إرادة الله أن كم ما رأيناه خلال الأيام القليلة الماضية يتعدى ما رأيناه على مدى ثلاثين عاماً كل شىء الآن يجرى أحداث متلاحقة فى كل اتجاه داخل مصر وخارجها.
لقد عشنا سنوات وأقصى طموحنا تغيير وزير الثقافة الذى كتم على أنفاسنا ربع قرن من الزمان ليرحل ليس فقط الوزير، بل يرحل أعلى رأس فى النظام وتتشكل وزارة جديدة لتبدأ مرحلة اللقاءات التى كانت محرمة، فها هم رجال القوات المسلحه يلتقون بالمثقفين على كافة طوائفهم بعد انقطاع دام لسنوات أبى فيها النظام الراحل أن يلتقى بأحد ليس فقط من خصومه، بل توقف حتى عن سماع أصدقائه وكم تعالت الأصوات وقتها بالصراخ ولكن لم يكن أحد يسمع لتتوالى اللقاءات حتى تفتح الدولة، قلبها وتسمع لجماعة الإخوان المسلمين وكل الجبهات المعارضة للنظام فى حوارات طويلة ومفصلة ومهما كان تعليقنا على هذه اللقاءات، إلا أنها حقيقة واقعة وما تداول قيها من مناقشات لا شك أنه كان محرماً فى وقت من الأوقات ليس هذا فقط، بل ما دار من حديث مع قادة القوات المسلحة فى لقاءات تليفزيونية مباشرة أمر لم نكن نراه أو نعهده حتى أن كثيراً من القادة العسكريين السابقين والحاليين لم نسمع منهم ولا كلمة واحدة حتى أننا لا نملك حتى تخيل أبعاد الشخصية التى أمامنا حتى فاجئونا بثقافة عالية ورؤية واضحة ومحددة.
ومما لا شك فيه أن لقاءاتهم هذه تركت كثيراً من الاطمئنان لدى عموم الشعب المصرى ويتطور الحوار أكثر وأكثر ليلتقى قادة القوات المسلحة مع الشباب مباشرة نفس الشباب الذى كان النظام ينظر إليهم على أنهم شوية عيال والآخر يصفهم بالمندسين والبلطجية وآخرين كانوا يرون أن الوسيلة الوحيدة للتعامل معم هى كرتونتين من القنابل المسيلة للدموع واليوم وبعد الثورة نستطيع أن نسميها القنابل المنشطة لهرمونات الكرامة والتحدى، لكن اللقاء الذى وقفت أمامه أكثر فهو اللقاء الذى ضم السادة عمرو موسى والجنزورى والبرادعى وهو اللقاء الذى ما كان أن يتخيله أحد فبعد التجاهل المتعمد والنسيان للجنزورى والإهانة والتجريح للبرادعى هاهما يلتقيان على طاولة واحدة مع عمرو موسى وقادة القوات المسلحة، أى مخبول هذا الذى كان يحرم مثل هؤلاء اللقاءات أى معتوه هذا الذى كان يرى فى لقاء النخبة من شعبه تنتقص من قيمته أو تضر بمصالح مصر العليا، وهكذا دارت الدوائر على من أبى، لعلهم اليوم وهم خلف التاريخ يتاورون خجلاً مما فعلوا ولعل عقلاء الأمة اليوم لا يبخلون على وطنهم بالمشورة والنصيحة تاركين الصغائر ومقدرين الدماء الذكية التى فتحت لمصر تاريخ جديد تاريخ أتاح لنا أن نفخر من جديد أننا مصريون.