◄◄ النصر لن يكتمل إلا بمحاكمة المجرمين وعودة الأموال المنهوبة وحل أمن الدولة وتغيير الدستور والإفراج عن كل المعتقلين سياسياً وإلغاء المحاكم الاستثنائية
«أنتِ لن يكفيكِ شعرى، أنتِ تحتاجين ثورة»، كانت هذه كلمات كتبتها منذ أشهر عِدّة أملاً فى اندلاع ثورة تخلِّص الوطن من الهم الجاثم فوق صدره، وتنقذ الجميع قبل الغرق، وتحيى أنفساً أماتها القهر والذل، والاستبداد، كانت هذه الكلمات محض أملٍ بعيد المنال، وحلمٍا أشبه بالخيال، لكنّه لم يكن مستحيلاً فى أنظارنا ونحن نستعِدُّ ليوم 25 يناير، الذى كنا نراه يوماً مفصليّاً يفتُّ فى عضد النظام، ويتسبب فى اتساع الشرخ الحادث فى جدار الديكتاتورية فى مصر. لم نكن نراه يوم الثورة، ولا بدء النهاية، ولا كان أكثر المتفائلين فينا يظن أن مئات الآلاف قد تخرج إلى الشوارع فى كل المحافظات لتردد فى صوت واحد «الشعب يريد إسقاط النظام»، لكنه الشعب المصرى الذى فاجأنا قبل أن يفاجئ العالم، وأذهلنا نحن السياسيين- قبل أن يذهل الجميع، ورأينا عشرات الآلاف فى شارع جامعة الدول والبطل أحمد عبد العزيز وشبرا وكل المحافظات فى دهشة أصابتنا جميعاً بغير استثناء.
صحيح أن المعطيات التى خلقت هذه الثورة كانت موجودة من قبل، لكن القدر أهدى لنا مسبباً لم يكن بيننا منذ سنين، وكان وحده فى رأيى- عامل انتصار لا يهمل، أقصد هنا إنكار الذات والانصهار فى قالب واحد من الجميع حركات وأحزابا وجماعات- وكان للجميع سقف واحد يظلهم «علم مصر»، وهو العامل الذى طالما حاربنا لأجل الوصول إليه، وأخيراً وصلنا، فانتصرنا.
بدأت الملاحم، وانفجر البركان، وأثبت الشعب المصرى قدرته على صنع ما لا يُصنع، والقضاء على من ظننا طويلاً أنه لا يقضى عليه، فروت الدماء شجرة الحرية التى أصلها ثابت وفرعها فى السماء، وثبتت الرفات أركان وطن لا يهتز من زلازل، ولا ينحنى لعواصف، فمن فقد عينيه كان له عيون الملايين نافذة على الحياة، ومن فقد قدمه رفعه كل من حوله ليرتقى لأعلى عليين، وخطب المصريين حسناءهم «الحريّة»، ولم يغل على أحد منا المهر ولو كان دماً وعمراً، وحياة.
حققنا أعظم المكاسب وأهمها خلع مبارك- مما أعطى للجميع دافعاً على الاستمرار، ومحفّزاً على الإصرار لتحقيق بقيّة المطالب لأن النصر لن يكتمل إلا باكتمال الحقوق، ومحاكمة المجرمين، وعودة الأموال والثروات المنهوبة إلى مكانها الطبيعى، وحل جهاز أمن الدولة القمعى الذى لا محل له من الإعراب الأمنى ولا الوطنى، وتنظيف كل الأمكنة من أذناب النظام وبقاياه، وتغيير الدستور-المرقع- تغييراً كاملاً، وليس ترقيعاً على ترقيعه، والإفراج عن كل المعتقلين والمسجونين فى قضايا سياسيّة مهماً كانت، وإلغاء المحاكم الاستثنائيّة والعسكريّة للمدنيين لتتحقق شعارات الثورة التى بدأنا بها «تغيير.. حريّة.. عدالة اجتماعيّة».
ساعة تحقيق هذه الحقوق، يمكن أن يعود كل منّا لإطاره الفكرى، حزباً كان أو جماعة، لنمارس دوراً سياسياً وتنمويا حقيقياً نبنى به هذا الوطن، وننهض به إلى الأعالى، لنستعيد دورنا الريادى كما كنا دوماً، ونستعيد حلم الوحدة بين الأمة العربية شعوباً قبل الأنظمة، وثقافة وحضارة قبل السياسة، لنستعد جميعاً لمعركة مصيريّة قادمة، تتغير بها ملامح العالم، وتعود بها كل أرضٍ محتلّة، ويطهّر بعدها كل شبر وذرة تراب دنسها عدوٌّ أو مستعمر. فغداً قريباً- ستكون الشعوب هى الحاكم، بعد انتهاء دور الخدم المطيع للإمبريالية والصهيونية، والقضاء على حرّاسهم الأوفياء فى كل قطر عربى، ونحتفل سوياً بعد تحرير بلداننا من طغاتها، بتحرير كامل الأرض الفلسطينية واللبنانية والعراقيّة، ونعلن وطناً عربياً واحداً قوياً، تقيمه «مصر» قلباً نابضاً حيّاً، متقدِّماً.
أحمد دومة يكتب: كيف اشتعلت ثورة يناير؟ ومتى يبدأ دورنا؟
الجمعة، 04 مارس 2011 12:45 ص