شريف حافظ

تمثال الحرية المصرى

الخميس، 31 مارس 2011 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أقرأ الكتاب الضخم لمايكل أورين "القوة والإيمان والخيال: أمريكا فى الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم"، وإذا بى أصطدم بمعلومة من العيار الثقيل بالنسبة لى كمصرى، رغم أن الكتاب يحوى معلومات كثيرة، يُمكنها أن تُدهش أى قارئ لتاريخ العلاقات الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط ودوله. فقد كتب أورين قصة النحات فريدريك أوجوست بارتولدى Frédéric Auguste Bartholdi، الذى صمم فكرة تمثال الحرية، وقد بدأت فكرته تتكون فى رحلة عام 1855 إلى مدينة الأقصر المصرية، حيث أُعجب بشدة بالآثار المصرية القديمة، وأطلق عليها "كائنات جرانيتية ذات شموخ ثابت.. ولاحظ كيف تبدو عيونها مُثبتة على مُستقبل لا حدود له"!!

عندها قرر بارتولدى أن يُخلد اسمه فى مصر، وأن ينحت تمثالاً "يُشبه فلاحة مصرية تحمل شُعلة الحُرية لأعلى، كان هذا التمثال، الذى كان ارتفاعه ضعف ارتفاع تمثال أبو الهول، سيحرُس المدخل البحرى لقناة السويس، وربما يكون فناراً أيضاً، وسيكون اسمه "مصر تجلب النور لآسيا".

وقد عاد بارتولدى إلى مصر عام 1869، حيث كان افتتاح قناة السويس يوم 17 نوفمبر منها، وكان قد تقرر حفر القناة سنتى 1854/1855. عاد بمسودات تصميم للتمثال الذى كان يرغب فى تشييده لمصر، كمنارة للعالم على أبواب المحروسة، وقد كانت الحرب الأهلية الأمريكية التى استمرت ما بين عامى 1861 و1865، قد أفادت مصر كثيراً، بزيادة الطلب على القُطن المصرى فجعلت منه سلعة مُشابهة "للذهب"!! أما وقد انتهت تلك الحرب، فقد تهاوى سعر القُطن، ومعه الاقتصاد المصرى، الذى كان يُعانى أيضاً الديون. وبناءً عليه، لم يستطع الخديوى إسماعيل، تمويل نحت "تمثال الحرية"، منارة العالم للعلم والحضارة، لأن تكاليف بناء قناة السويس أيضاً، كانت تضاعفت كثيراً عن السعر الذى كان من المفترض أن يكون!!

لقد أُحبط بارتولدى، ولكن فكرته عادت للوجود، فى لحظة أُخرى، عندما كان فى طريقه إلى العالم الجديد. ففى خلال دخول السفينة التى كان مُسافراً عليها إلى الولايات المتحدة إلى ميناء نيويورك، شاهد جزيرة بدلو Bedloe's Island، (التى سُميت فيما بعد، رسمياً عام 1956، ونسبة إلى تمثال الحرية بجزيرة الحرية أو جزيرة ليبرتى Liberty Island). كانت الجزيرة بيضاوية الشكل، معزولة ومُثيرة لخيال بارتولدى، كى يُعيد تدشين مشروع "تمثال حريته" الذى أراده لمصر، هنا، على تلك الجزيرة!!

وهكذا صمم بارتولدى تمثال الحرية أو "السيدة حرية Lady Liberty"!! ولقد دُشن إتمام بناء التمثال فى 28 أكتوبر 1886، حيث ينظر التمثال إلى المحيط الأطلنطى بالرجل اليُمنى "للسيدة حرية"، ماضية إلى الأمام، وكأن الحرية تمضى من الولايات المتحدة الأمريكية، لتُنير العالم، بوجه أم النحات شارلوت بيسير بارتولدى Charlotte Beysser Bartholdi، وبشكل سلمى، لا يدعو إلى الثورة، ولكن التغيير السلمى للعالم على طريق الحرية، حيث فرق بين تماثيل فرنسا وتمثال الحرية الأمريكى، فى هذا النهج!

وهنا، فى مصر، وفى الذكرى الـ 30 لافتتاح قناة السويس، فى 17 نوفمبر 1899، دُشن وضع تمثال للفرنسى فرديناند دى ليسبس، المتوفى فى 7 ديسمبر 1894، لتخليد ذكراه، وهو الذى حصل على امتياز حفر قناة السويس، فى المكان الذى كان من المفترض أن يكون فيه تمثال الحرية المصرى، وظل التمثال فى موقعه حتى العدوان الثلاثى عام 1956، والذى كانت أحد أطرافه فرنسا، حيث هدمه بعض الفدائيين وقتها. كان مُصمم تمثال دى ليسيبس، فرنسى أيضاً، ويُدعى إيمانويل فريميه Emmanuel Frémiet.

لقد كان جمال الحضارة المصرية وبريقها، فى مدينة الأقصر، هى مُلهمة بارتولدى، لبناء تمثال الحرية بالولايات المتحدة الأمريكية، ممثلاً "الحرية التى تُنير العالم"، كما وُصفت "رمزية" التمثال. وبينما تم تشييد هذا التمثال فى 28 أكتوبر 1886، فقد وصلت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى قانون الحقوق المدنية، فى 2 يوليو 1964، وهو ما يعنى أن الفارق الزمنى بين إتمام تشييد هذا التمثال والوصول إلى إقرار تلك الحقوق، هو 78 عاماً تقريباً (ويجب هنا أن نضع فى اعتبارنا غياب وسائل الاتصال الحديثة والتقنيات المتقدمة فى التوعية، ومن ثم التغيير). وكان من شأن تطبيق هذا القانون، وتعايش الناس معه والتعلم من أخطاء التطبيق، أن وصل الرئيس الأمريكى الأسود الأول، إلى البيت الأبيض!!

أجد أننا فى مصر، يجب وأن يكون لنا تمثال عالمى جديد كرمز للحُرية، يضرب بأعماقه فى تراث مصر وتُربتها الخصبة الولادة، ويُبنى على رأس قناة السويس، حيث السفن تدخل وتخرج منه باستمرار، لترى رسالتنا الحضارية من مصر إلى العالم، مُمثلة لدولة أشعت علماً وحضارة ومُثل كُبرى لهذا العالم، وأن تكون أعيُن هذا التمثال مُثبتة على مُستقبل لا حدود له، كما رأى فريدريك أوجوست بارتولدى فى تماثيل الآثار المصرية فى الأقصر منذ ما يزيد عن القرن ونصف القرن!!

يجب أن نُدرك، أن ما نبنيه اليوم، من مصرُ جديدة، مُمثلة لهرم رابع عظيم، سيأخذ وقتاً، ليس بمثل الوقت المُستغرق فى بناء التقدم الأمريكى لاختلاف الزمن، وإنما أقل كثيراً! ولكن يجب أن تنضج الأفكار ويستوعبها المصريون، كى تُغرس فى عقولهم، صانعة بذلك مصر الحديثة المُتقدمة العُظمى، لأن مصر والمصريين يستحقون ذلك. فلكى نصل إلى مصر الجديدة، يجب أن نمضى بخُطى ثابتة نحو المستقبل، معتمدين العلم نوراً يهدينا، دون نسيان لمبادئ صيانة مصرُنا!!

فلنمضى معاً نحو الحرية، التى لا رجعة فيها، ولكن بحيث تكون حريةً مسئولة، تحترم القانون والقيم الأصيلة، ولا تضُرنا، وإنما تقضى على كل مساوئنا والفساد الذى استشرى فى عظام بلادنا يوماً ولا يزال، بحيث لا نعود إلى الوراء مرة أُخرى، ولكن ننظر إليه فقط، وقد تعلمنا ألا نُكرره يوماً أبداً!!
ومصر أولاً





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة