سافرت إلى مدينة سيدى بو زيد بوسط تونس لإجراء لقاء مع أحد أهم شخصيات تلك المدينة والعالم العربى على الإطلاق، الشخصية التى أيقظت شباب الوطن العربى بعد أن أيقن العالم أجمع أنهم راقدون فى سبات عميق ولا يمكن إيقاظهم أبدا، ضائعون بين سندان البطالة ومطرقة الانحلال، البوعزيزى أيقظ كل هؤلاء من نومهم ومن غفلتهم دافعا روحه وحياته ثمنا لحريتهم.
فى بيته المتواضع وبين إخوته التسع، جلسنا أرضا نحتفل بعيد ميلاده السابع والعشرين ودار بينى وبينه هذا الحوار:
كيف ترى المشهد السياسى فى تونس يا بوعزيزى؟
صدقنى نحن لا نرى الوضع السياسى، نحن نشمه، الوضع السياسى الذى تسأل عنه فاسد ورائحته نتنة، لذا نحن نشمه ولا نراه، بالمناسبة لا وقت لنا لنرى أى شىء احنا هنا مربوطين زى الثور فى الساقية زى ما المثل المصرى ما بيقول.
هل كنت غير راض عن حياتك لتلك الدرجة؟
حاشا الله حبيبى، أنا كنت راضى عن حياتى جدا، ومتأقلم معها لأقصى حد، كل طموحى كان شراء عربة كارو جديدة، وهدية لأمى، كل طموحى كان أن أجلب لأسرتى عشرة دولارات أخرى زيادة عن الـ140 دولارا متحصلى الشهرى، صدقنى أنا نسيت موضوع الزواج تماما، إمكانياتى لم تكن تؤهلنى حتى لأحلم به واكتفيت بأضغاث أحلام، سؤالك قلب مواجعى، صدقنى كنت راضى.
سيد البوعزيزى: دعنى أسألك هل كان الوضع يستدعى أن تحرق نفسك؟
صفعتنى الشرطية على وجهى أمام الناس جهارا نهارا ولا يمتلك الإنسان أغلى من كرامته، الفرق بينى وبين أى حيوان آخر ليس قدرتى على الكلام، ولكن كرامتى الإنسانية، عندما يٌضرب الحمار فإنه فقط يتألم من الضربة، ولكن عندما يضرب الإنسان فإنه يتألم مرتين، مرة للضربة ومرة أخرى لوجع كرامته.
بكيت يا بوعزيزى؟
الحقيقية أن كرامتى هى التى بكت، لم يخلقنى الله لأهان فى الشارع بتلك الطريقة المهينة أبدا. حينها شعرت أن مكانتى هبطت من إنسان لحيوان، شعرت أن إنسانيتى انتهكت، شعرت باغتصاب كرامتى، وللعلم فجرح الكرامة أعمق من جروح الشرف أحيانا، ولكنهم ألهونا بجروح الشرف كثيرا لننسى جروح كرامتنا المراقة، صدقنى، انفجرت أعضائى باكية، لم تكن أبدا حركة مقصودة بل هو رد فعل تلقائى.
أحرقت نفسك، فأحرق الشعب التونسى زين العابدين بن على؟
صدقنى، زين العابدين بن على هو من أحرق نفسه بنفسه، هو ما اهتم بتكنيز الذهب والفضة، هو من ترك الحبل على الغارب لزوجته لتتحكم فى عشرة ملايين نسمة، ألم يكن هو من سلط علينا شرطته لتمتهن كرامتنا، أنا لم أفعل شيئا، صدقنى الظلم هو من فجر الثورة التونسية.
أنت متواضع يا بوعزيزى، ألا ترى فعلتك المنبه الذى أيقظ التوانسة بل والعرب أجمعين؟
ربما أكون عجلت بإيقاظهم قليلا ولكنهم كانوا سيتيقظون لا محالة، الظلم والفقر والمرض وقلة الحيلة وضعت رؤوسنا فى التراب، بينما هم يتاجرون بأموالنا وثرواتنا، يأكلون ما لذ وطاب، تركوا شعوبهم المقهورة نصفين، نصف خلف باب الفقر والآخر خلف باب السجون.
ما كل هذا العمق السياسى فى كلامك يا بوعزيزى.. لقد أخبرونى أنك بائع للفاكهة؟
لا عمق ولا حاجة، ماتودنيش فى داهية الله يخليك، أنا مش بتكلم فى السياسة، ولكنه تدارك موقفه سريعا، متذكرا أن عصر بارونات الشرطة قد سقط، عارف، أنا فعلا كسرت حاجز الخوف جوايا.
ليس بداخلك أنت فقط يا بوعزيزى أنت كسرت حاجز الخوف عند العرب كلهم من المحيط للخليج.
ابتسم وترقرقت دمعة من عينه اليسرى تابعتها حتى سقطت على ذقنه الخفيفة قبل أن نتابع الحوار
ما يحدث فى العالم العربى هو نتاج حكم جائر من جزارين حكمونا كقطعان الماشية، تناسوا أننا بشر، وسلطوا علينا زبانية كراسيهم، أسمع البعض يتحدثون عن مؤامرة صهيونية ضد العالم العربى، لا يزالون يستكثرون على شبابنا المبادرة والثورة.
قل لهم يا أستاذ، إن أنا حرقت نفسى بنفسى، محدش ادانى كنتاكى ولا شباب درعا خدوا ثمن موتهم، قل لهم إن شباب بنى غازى وأجدابيا يدافعون عن حريتهم وعن كرامتهم.
قل لهم يا أستاذ، حتى لو وفروا لنا المال والرفاهية، نحتاج إلى كرامتنا الإنسانية وحريتنا، لن نعيش كالبهائم بعد اليوم، كل همنا أن نأكل وأن نشرب، وأن نعاشر زوجاتنا، سنبحث من المحيط للخليج عن حقوقنا السياسية وعن أموالنا المنهوبة.
قل لهم إننى أبدا لن أسامح من يفرط فى دمائى ودماء شباب القاهرة وبنى غازى ودرعا وصعدة اليمنية، قل لهم إننا لن ننام ثانيا.
صديقى البوعزيزى: هل هناك نداء معين تود أن توجهه لأحد؟
تنهد البوعزيزى وصاح عاليا، اتركوا أمر موتى لربى، شهيدا أم منتحرا كافرا، فأنا بين يد الله، وهو أرحم بى من أمى.
بوعزيزى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة