يقول علماء البحوث الإنسانية: "إن الناس ينقسمون من حيث الرأى العام إلى ثلاثة أقسام، هى:
القسم الأول: قادة الرأى، وهؤلاء يصنعون الإعلام ويصنعون الدعاية السياسية، ولا يتأثرون بها لأنهم يعلمون أنها أداة من أدوات الصراع.
القسم الثانى: المثقفون، والرأى العام المثقف يقرأ وينظر ويمحّص بدرجة من الدرجات، ويشارك فى أوقات السلم فى صناعة الرأى، فإذا احتدمت المواجهة انقلب إلى رأى عام، وفى ذلك مفارقة كبيرة نلمحها فى فترات الأزمات، حيث نرى أن كثيرا من الكتاب يجنحون إلى الحديث بلغة الشارع، ويخاطبون نفس العواطف ويتحدثون بنفس المنطق، (راجع مواقف وكتابات كثير من المثقفين خلال أحداث الثورة، وهى مازالت مستمرة حتى اليوم).
القسم الثالث: الرأى العام العامى، وهؤلاء هم نقطة الفعل ومحط التركيز من أجهزة الإعلام".
إن فهم هذه النقاط المحورية تعيننا على إدراك أهمية دور قادة الرأى فى المرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد، لأن الهدف والغاية لأصحاب أى مشروع حضارى هو أن يصل ويؤثر فى القطاع الأكبر، الذى هو الرأى العام العامى فى المرتبة الأولى، وفى المرتبة الثانية أن يرتقى بالرأى العام المثقف أو قطاعات منه إلى مستوى الرأى العام القائد الذى يصنع الإعلام ولا يتأثر به.
ولكن للأسف الشديد فإن أصحاب المشروع الإسلامى الإصلاحى لا يضعون هذه النقاط المحورية فى بؤرة اهتمامهم، ولم تكن لها الأولوية فى اللحظة الراهنة والمستقبلية، لأنه إذا غابت الرؤية تُرك العمل لعشوائية جهود الأفراد، فالكثير من الذين ننظر إليهم ونعدّهم من قادة الرأى فى التيار الإسلامى لا يمتلكون صورة واضحة للمشروع الإسلامى الإصلاحى، وكثير من المقالات والاستشهادات والاستدلالات التى يلجئون إليها تبدو مبتورة وفى غير موضعها، وبعيدة كل البعد عن واقع الناس ومشاكلهم الحياتية، ولا تعتمد إلا على الخطاب العاطفى أكثر مما تعتمد على الخطاب العقلانى، إن واجب هؤلاء القادة فى هذه المرحلة هو:
• إزالة حالة الإحباط والتوجس والخوف، المنتشر بين صفوف الجماهير من المشروع الإصلاحى الإسلامى.
• تحويل الصورة النظرية للمشروع إلى واقع تنفيذى يلمسه رجل الشارع البسيط، وأن يغادر هذا المشروع أرفف المكتبات وقلوب المؤمنين به، ليتحول إلى مادة قابلة للتنفيذ والاستخدام.
• النأى بالمشروع عن مسار "سياسات الهوية" وتحويل هذا المشروع من كونه تياراً إسلامياً ليصير تياراً وطنيا،ً والانخراط فى مسار الخدمات الاجتماعية والاقتصادية.
• تفهّم شروط اللعبة السياسية، والحرص على وحدة الوطن وعدم استفزاز الخصوم السياسيين، وعدم الالتفات للمعارك الهامشية والبعد عن العصبية والتشنج فى الأداء، وكذلك البعد عن العنف وثقافته، واعتماد الحوار والتواصل مع قوى وتيارات المجتمع المختلفة حتى ولو كانت معاديةً، والهدوء فى التحرك وعدم الردّ الانفعالى، وتجنب الانجرار إلى ما ينصبه الخصوم من مصائد ومكائد.
• الابتعاد عن الجمود على الشعارات والمواقف السياسية الحالية، والانتقال إلى مرحلة السياسة الشرعية المبنية على المصلحة السياسية والوطنية.
• إعطاء النموذج لإمكانية التعايش بين الإسلام وروح العصر، وإمكانية الانخراط فى الحياة السياسية بشكل عملى، وتقديمها لرؤى واقعية تستند إلى لغة الأرقام والمعلومات.
• اعتماد العمل والإنجاز فقط كمحكّ وحيد للتقييم ومخاطبة الجماهير.
إن نجاح التيار الإسلامى فى المرحلة المقبلة مقياسه الصحيح النجاح فى المشروع الإصلاحى، وإقناع الناس به وصرفهم إليه، وفى التغيير اللاتفافى الذى يحدث الإيجابية والفاعلية، وينقل الناس من طور إلى طور، أما الاكتفاء بشيوع مظاهر التدين وحده فليس مقياسا للنجاح، فهناك جماعات وحركات حققت فى هداية الناس ما لم تحققه أى حركة إسلامية أخرى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة