فى عام 2007 تلقيت اتصالاً من مكتب وزير الإعلام أنس الفقى، لحضور اجتماع معه لمناقشة خطط تطوير التليفزيون، وعكفت عدة أيام على دراسة أوضاع التليفزيون بقنواته، وبرامجه وساعات إرساله، وكتبت دراسة كبيرة ومعمقة، تحوى تحليلاً للأوضاع القائمة فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وتصورات مستقبلية لما يمكن عمله لبناء تليفزيون مهنى حقيقى، يعبر عن الناس ويتواصل معهم ومع قضاياهم وهمومهم.
وحين حل الاجتماع سلمت الوزير خطة التطوير كاملة وتصفحها سريعا، وقال لى إننا نحتاج إلى جلسة مطولة لمناقشة هذا المقترح، ومرت أربع سنوات بعدها لم يفتح هذا الموضوع رغم أننى التقيت الوزير فى مناسبات مختلفة بعد ذلك.. واتضح أن الاجتماع الذى دعيت لحضوره كان مخصصاً لوضع خطة للتغطية الإعلامية لانتخابات مجلس الشورى.
حسبت ما علمت بعد ذلك لست الوحيد الذى كتب ووضع خططاً لتطوير التليفزيون، فقد أنجزت هيئة الإذاعة البريطانية دراسة مماثلة، وخرجت من مجلس الأمناء دراسات أخرى، وغيرها من الدراسات التى لم تر طريقها للنور، وأعتقد أن السبب الرئيسى فى غياب أى تطوير أو إنجاز حقيقى فى التليفزيون المصرى، هو تقسيمه بين رجلين هما رئيس الاتحاد السابق أسامة الشيخ الذى ترأس قبل ذلك قطاعات القنوات المتخصصة وعبد اللطيف المناوى رئيس قطاع الأخبار، وترك الوزير لكل منهما مهمة تطوير ما يشرف عليه.
فى التليفزيون على سبيل المثال كان تصورى للتطوير قائماً على ضرورة اقتصار عمل التليفزيون المصرى على ثلاث قنوات فقط، قناة عامة هى الأولى، وقناة إخبارية تعتمد بشكل أساسى على النيل للأخبار بعد إعادة تطويرها وتحديثها وتحريرها من السياسات الحكومية، ومحطة ثالثة للأسرة والطفل، لأنه من غير المعقول أن نترك لمحطات أطفال خليجية وأمريكية صياغة عقول أطفالنا بينما نحن بعيدون عن هذا الأمر بما يمثله من خطورة تشكيل شخصية الأجيال القادمة بثقافات غير مصرية ووطنية بالمرة.
وتصورت أنه من الضرورى، بل ومن العاجل جداً، تحويل قطاع القنوات المتخصصة إلى شركة، بحيث تطرح أسهمها فى البورصة، ويشارك فيها مساهمون كبار وصغار يختارون مجالس إدارات تلك القنوات التى تنسحب منها الدولة تدريجيا حتى تبيع حصتها بالكامل.
ورأيت أيضا إجراء شراكة ثلاثية بين اتحاد الإذاعة والتليفزيون والمحليات والقطاع الخاص فى ملكية القنوات الإقليمية لفترة انتقالية، حتى يخرج الاتحاد من الملكية، وتصبح هذه القنوات إقليمية حقيقية تعبر عن احتياجات وتطلعات القاطنين فى الدوائر المحلية التى تغطيها تلك القنوات.
وبنيت هذه الرؤية على أن ملكية الدولة للإعلام يجب أن تتقلص وتنحصر لصالح القطاع الخاص، ويقتصر التليفزيون الحكومى على ثلاث قنوات فقط، تحتاج إلى استثمارات كبيرة، وتكون عامل توازن مع ما يقدمه القطاع الخاص.
وبدلا من التفكيك التدريجى لهذه الإمبراطورية الكبيرة، توسع أسامة الشيخ فى القنوات المتخصصة، وزاد مثلا قناة الدراما إلى قناتين، وأنشأ قناة جديدة هى نايل كوميدى، بينما محطات الدراما والكوميديا والأغانى فى كل أنحاء العالم ملك للقطاع الخاص، وليس للحكومات، ولا يجب أن تمول من ضرائب المواطنين.
وبدلا من قناة إخبارية واحدة تغطى مصر والعالم العربى، وتنافس الجزيرة والعربية، تنامى قطاع الأخبار وأصبح مملكة تضم قناة النيل للأخبار وقناة النيل الدولية وإذاعة الأخبار، وبدلا من تفكيك هذه الألة الإعلامية الجبارة، تحول اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى كيانين خاضعين لطموح أشخاص معينين، ومدى قدرتهم على النفاذ للوزير، وانتزاع الموافقات على ما يريدون تنفيذه من أحلام وإمبراطوريات إعلامية شخصية، سقطت لأن الهدف كان شخصياً أكثر مما راعى المصلحة العامة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة