يعلق الناس آمالهم على عهد الإصلاح فى مصر، ويحلمون بمستقبل ربما يفرط البعض - وأنا منهم - فى جمال صورته ونظافة أركانه وروعة إبداعاته ورقى شعبه ودقة أدائه بشكل يتفوق على ما نراه فى أوروبا أو أمريكا وهما عادة ما يضرب بهما المثل فى هذا المقام، فأنا عن نفسى عندما أقفز فوق الزمن وأستحضر صورة هذا البلد بعد كمال الصورة فأجد على سبيل المثال شوارع المحافظة الواحدة لها شكل واحد، رصيف له نفس الارتفاع المريح فى صعوده وهبوطه، لا تجد فيه حجرا واحدا مكسورا أو متحركا عن مكانه، فى كل موضع يحتاج فيه مواطن على كرسى متحرك لأن يصعد أو يهبط من على الرصيف يجد هذا الموضع مخصص ومجهز لهذا الغرض، تغسل الشوارع قبل الفجر، وليس فى الصباح الباكر حيث أن من يبدأ عمله مع تباشير الفجر من حقه أن ينطلق إلى عمله فى شوارع نظيفة.
قد يكون المشهد قد ذهب إلى أدق التفاصيل، لكننا نحلم كما قلت بكمال الصورة، نحلم بتغلغل التكنولوجيا فى كل شاردة وواردة، الدخول والخروج من العمل ببصمة أو بطاقة تسجل ساعة الحضور وساعة الانصراف إلكترونيا، جداول ورديات العمال على إيميل كل منهم التقديم فى المدارس لأولادنا على موقع المدرسة أو الجامعة جميع الإجراءات والسداد ببطاقة الائتمان، وكذلك استخراج بطاقة الرقم القومى أو جواز السفر، فقط قم بتعبئة النماذج وسداد الرسوم
يصلك جواز السفر بعد أسبوع بالبريد، العلاج مجانى فى أكثر من مستشفى مجهز بأحدث الأجهزة والتقنية الطبية لك ولأفراد العائلة، مواعيد القطارات والحافلات بالدقيقة لتصل إلى موعدك دائماً فى الموعد، إنتاجية العامل المصرى ترتفع لسبع ساعات فى اليوم بدلا من ٢٧ دقيقة المعدل الحالى، لمّا سافرت إلى فرنسا فى عطلة الصيف كنت فتىً يافعا طالبا بجامعة حلوان، ولما رأيت ما عليه هذا البلد من نظام ونظافة ودقة ومنطقية فى ترتيب شئون العباد بدأ الحلم وقتها يجول فى خاطرى، ولكن مع النقلات النوعية التى أنجزها مبارك ونظامه فترة حكمه تم اغتيال هذا الحلم حتى تحول إلى سراب، وكانت الصورة تزداد ظلاما وتشوها مع كل فجر جديد، كلما لاح لنا بصيص أمل فى إصلاح عاجلتنا سوءات النظام بمزيد من القهر والهوان، نحاول زرع الفضيلة والآداب فى قلوب أبنائنا فإذا بمعاول الهدم تحيل ما زرعناه حطاما كأن لم يكن بالأمس، ظلت عيوننا مشدودة للفكر الجديد، وآمالنا معلقة بحلم العبور للمستقبل فلم نرَ فكرا جديدا ولا قديما، لم نرَ إلا سفاهةً فى القول ونفاقا فى المواقف وضعفا فى العزيمة، ولم نعبر للمستقبل ولا عبر المستقبل لنا، بل كنا مع إشراقة كل يوم جديد نبتعد عن المستقبل، يرانا ولا نراه، يأتينا فإذا بنا قد عبرنا إلى الماضى، وياليتنا وجدنا ماضينا على حاله بل كنا فيه كالغرباء، لذا لما أشرقت شمس المستقبل فى ٢٥ يناير إذا بفجر أحلامى يبزغ من جديد، وعادت للصورة نضارتها ورونقها وتنفس الشعب هواء نقيا بعد أن زكمت أنفه ٣٠ سنة تنفس خلالها البؤس و الكدر والمذلة، يا مستقبل ها نحن نقطع أول خطوة للعبور إليك، ليس على لوحات الطرق ولكن على أرض الواقع، ليس على صفحات الصحف والمجلات ولكن على صفحة ماء النيل، نعقمه ليسقى الناس لا ليمرضهم، نستخرج منه لحما طريا بدلا من استيراد بقايا أسماك الشعوب المجمدة، نحوله للصحراء فيروى البلاد والعباد،
لن ننتظر المستقبل لنراه دجلا واستخفافا على شاشات التلفزيون من جمال أو من عز، ولكن سنعبر إليه بقلوبنا وسواعدنا وعقولنا، نعمّر ما خربوه ونزرع ما كانوا يستوردونه، نعلّم الجاهل ونساعد المحتاج، نفتح مصانعنا من جديد، نربى أجيالنا من جديد، نفجر طاقاتنا من جديد، نحيا بحرية من جديد، ولا نحلم مجددا فقد حققنا الأحلام وعبرنا للمستقبل من أجلك أنت، وبدون عز وبدون جمال.. أليس هذا رائعا؟!
عصام عباس يكتب: العبور للمستقبل بدون جمال مبارك
الإثنين، 28 مارس 2011 09:35 م
جمال مبارك
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة