الحقيقة أننى لم أكن بالقاهرة حين وقعت غزوة الصناديق، وهى الغزوة التى تحدثت فيها الصناديق قائلة للدين "نعم"، الغزوة التى رعاها الشيخ والداعية الغالى محمد حسين يعقوب الذى أكن له كل اعتزاز وتقدير، والذى يعجز لسانى عن انتقاده لولا أنه، وبإراداته الحرة المنفردة دخل إلى نطاق السياسة، وكما تعلمون فإن السياسة غدارة مكسب على خسارة، ولا أحد فيها فوق النقد أو غير معرض للهجوم.
والحقيقة أيضا وقبل أن أرد بهدوء فإننى أحذر الجميع من فتن شديدة تحاك فى النور لمصر ما بعد الثورة، وهى الفتن التى بدأت بالطائفية، ثم التهديد بخطورة السلفية، وستنتهى فى مايو بلقاء الأهلى والزمالك، وأحذر أن يتم استخدام أحاديث أى داعية أو شيخ خارج الإطار الذى قيلت فيه أو اقتصاصها من سياقها العام، وهو الأسلوب الذى يجيده النافخين فى الكير.
الشيخ يعقوب وإن كان قد أعلن علانية أن حديثه كان تهريجا وهزارا، إلا أن وضعه ومكانته تجعل كلامه لا يؤخذ أبدا إلا على محمل الجد، ولكننى أصدقه لأن رصيد الثقة بينى وبينه كبير، وسارد برد هادئ على تهريجه فى نقاط قليلة.
1- بيننا وبينكم الصناديق:
عزيزى الشيخ يعقوب لقد أحدثت الفتنة دون أن تدرى، فلقد قسمت البلاد إلى فريقين متنافسين، التابعين لك ولفكرك والخارجين عليه، والأخطر أنك جعلت الصناديق هى الفيصل بين الفريقين، وهو ما يجعل كل انتخابات قادمة منافسة غير موضعية بين التابعين للدين والخارجين عليه، لا منافسة سياسية موضوعية بين فكرين أو شخصين.
2- جرائدهم و برامجهم:
ها أنت تمعن التفريق والفتنة عزيزى الشيخ يعقوب، ففتنتك تمتد إلى جرائد وبرامج تحرّمها ضمنيا على الناس لأنها تتبع الفريق الآخر، كلماتك يا شيخ يعقوب ستجعل البعض من الناس لا يشاهد أى برنامج أو جريدة يومية حملت إعلانا للتصويت بـ "لا".
3- الدين يدخل فى كل حاجة، إديله دين أديله دين:
عزيزى الشيخ يعقوب أؤمن بأن الدين يدخل فى كل شىء، وقد ربتنى أمى حاملة كتاب الله على ذلك، ولكن كلماتك تخلط الحابل بالنابل، فدخول الدين فى السياسة بهذا القدر هو امتهان له لأنه يضعه موضع منافسه، ولك فى تركيا عبرة، فحزب العدالة والتنمية التركى الحاكم وسليل حزب الرفاة الإسلامى المحظور، محسوب بقوة على التيار الإسلامى ولكن أبد لم يحشد الناس باسم الدين ، أبدا لم يحرّم التصويت ضده، أبدا لم يسق الناس كما يساق البعير.
4- بلد ما نعرفش نعيش فيها، أنت حر، ألف سلامة:
هنا بدأت أفقد أعصابى، وبدا لى ألا فائدة من الاستماع لك، لأنك أمعنت فى تهريجك، وأتى كلامك مخالف لسنة رسول الله (ص)، لـأن الرسول (ص) تعايش مع اليهود والنصارى ولم يطردهم، بل عاشوا آمنين سالمين تحت حمايته، ولكنك أنت تشير بيدك اليسرى، ولا أعلم لماذا اليسرى تحديدا؟ هل لأنهم أهل يسار ولا يجوز دينيا الإشارة لهم باليد اليمنى (الحقيقة كل شىء وارد فى التهريج)، مصر التى عاش مسلميها وأقباطها أربعة عشر قرنا فى سلام ومودة يتم التصريح فيها ضمنيا بطرد أقباطها لأن الشعب قال عايز دينه إديله دين، كلامك يا شيخ يعقوب سيفتح الباب أمام عنف طائفى لا نهاية له بين مواطنين مصريين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وإن اختلفت معتقداتهم.
5- إللى قالوا لا، عرفوا مقامهم عرفوا قدرهم وعرفوا قدر الدين، واحنا مش زعلانين منهم.
الحقيقة أن تلك النقطة تحديدا تهدم كل ما ناضلنا من أجله بل تعيدنا إلى عصور ما قبل الديمقراطية، فرأيى السياسى يعبر عن مقامى وقدرى، والفائز قدره أكبر وأعلى والخاسر عبد ذليل عرف قدر نفسه وعليه أن يراجع أمره، ولكن العفو من شيم الكرام لذلك فإحنا مش زعلانين منهم، سيدى العزيز من قال لك إنه كان استفتاء على الدين ليعرف المصوتين ب "لا" قدر الدين، وهل عرف البرادعى و موسى وكل دعاة لا أنهم أقزام أمام جماهيريتك العظيمة التى حباك الله بها لأنك تردد كلامه وتفسره؟ تتشدق على أهل السياسة بشعبية جارفة من وحى كلمات الله وسنة رسوله، وبأتباع هائمين خلف حلاوة كلام الله، لا سيدى العزيز، المقامات محفوظة أنت رجل دين عظيم ورع ذو مقام جليل ارتاح لسماع صوتك فى الدين فقط، وهم أهل سياسة محنكون ذو قدر ومقام محفوظ لا يهتز بغزوات اصطناعية على صناديق تدفعنا للأمام لا تعود بنا إلى عصور الغزوات.
6- تخفيض أسعار اللحمة والفاكهة والخضار:
سؤالى لك بعد انتصار غزوة الصناديق: هل الفقراء والمساكين ممن قالوا لا يمكنهم أن يفرحوا مع أتباعك باللحوم والفاكهة والخضروات المرخصة؟ وهل سنصدر بطاقات للمصوتين بنعم ليصرفوا بها تموين التصويت؟
7- شكلك وحش لما تبقا فى الناحية إللى فيها المشايخ حتى لو مقتنع أن الدستور ده فى 60 داهية:
فقط راجع نفسك لأن كلامك يحمل إساءة لفكرك ومنهجك، قبل أن يحمل إساءة لأى سفسطائى آخر، كلامك يحمل تسفيه للعقول التى عليها أن تطيع حتى ولو اقتنعت بشىء مغاير، كلامك ضد لفظة "يتدبرون" التى ذكرت فى القرآن لتشجع العقول على التفكير.
8- لمّا الشيخ يقولك آه قول آه حتى ولو على خلاف هواك:
فى تلك النقطة بالذات نكون قد وصلنا إلى بيت القصيد، فأنت هنا تقيم نظاما لـ "لملالى" يسيطر على آراء النظام ويوجههم وفقا لأرائهم الخاصة التى لا تقبل النقاش، حى ولو على خلاف هواك، أنت فقط لم تقزّم أنصار لا ، ولكن قزمت أتباعك، لأنك تريد منهم أن يتبعوك دون تفكير وبثقة عمياء، فى الدين وهو موضع بعيد عن موضع الانتخابات والاستفتاءات يا شيخنا الجليل، ما تروج له فى تهريج ـ على حد قولك ـ هو نفس نظرية القطيع التى حكمتنا لعقود، علينا أن نتسمع ونطيع طاعة عمياء صماء، وأن ننفذ ما يؤمرنا به أولياء الأمر دون نقاش ودن تفكير، لأنهم أدرى منا بشؤوننا، شهداء الثورة لم يفقدوا حياتهم من أجل أن تقاد البلاد بتلك الطريقة العبثية.
أن ذلك الدرس الذى أثار الخوف والرعب فى نفوس المصريين ممن يفكرون ويتدبرون، لابد أن يتبع بدرس لنفس المستمعين يفسر لهم أنه كان تهريج فى تهريج، وأنا أناشد الشيخ يعقوب ألا يهرج فى الفترة القادمة لأنها فترة لا تحتمل أن يهرج أو يهزر أو ماشابه مع الوضع فى الاعتبار مقامه وسطوته على جمهوره، على الشيخ يعقوب أن يجعل الدين عباءة يحتمى بها المصوتون بنعم و لا، أن يجعله دارا يلجأ اليها المختلفون فيهدّئ من حماسهم، لا أن يجعله منبرا للدعوة لأمر دنيوى، حاضنا فريقا ومستبعدا آخر.
عزيزى الشيخ يعقوب لقد صوت بلا وعن اقتناع، وسأصوت بها مائة مرة لأن ما لا تعرفه أن الاستفتاء لم يكن على الدين، وحتى أولئك المتدينين المستنيرين المصوتين بنعم لم يصوتوا بنعم من أجل الإسلام، فحشدك للناس باسم الدين يجعل بلادنا بيتا آخر لـ "ملالى" إيران من المتسلطين قاطعى الرقاب باسم آيات الله؟.
عزيزى الشيخ يعقوب، أحبك فى الله، وأرتاح لرؤيتك لذا أذكرك بقول الإمام محمد متولى الشعراوى، أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة.. ولا يصل أهل الدين إلى السياسة.
الشيخ حسين يعقوب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة