نرمين كحيلة تكتب: اليمن بين بلقيس وعلى عبد الله صالح

الأحد، 27 مارس 2011 10:09 م
نرمين كحيلة تكتب: اليمن بين بلقيس وعلى عبد الله صالح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن المتأمل فى قصة سليمان عليه السلام مع الملكة بلقيس يرى كيف كانت اليمن دولة عظيمة لها حضارة عريقة، وأهم ما كان يميزها هى الديمقراطية التى كانت تتمتع بها حتى فى عصور ما قبل الميلاد، فنجد الملكة بلقيس لما قرأت كتاب سليمان عليه السلام جمعت وزراءها وعلية قومها، واستشارتهم فى أمر هذا الكتاب، فقالت: "يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون"(النمل 32)، أى حتى تحضرون وتشيرون، أى أنها أشركت شعبها فى القرار ولم تنفرد به رغم أنهم أوكلوا أمورهم وقالوا لها: "نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظرى ماذا تأمرين"، أى نحن أقوياء قادرون على الحرب، إن شئت أن تقصديه وتحاربيه، وبعد هذا فالأمر إليك، مرى برأيك نمتثله ونطيعه، وفى ذلك الوقت كانت مملكة سبأ تشهد من القوة ما يجعل الممالك الأخرى تخشاها، وتحسب لها ألف حساب، فكان رأى وزرائها "نحن أولوا قوةٍ وأولوا بأس شديدٍ"، فى إشارةٍ منهم إلى اللجوء للحرب والقوة.

إلا أن بلقيس صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأياً مخالفاً لرأيهم، فهى تعلم بخبرتها وتجاربها فى الحياة أن "الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها"، قال ابن عباس: "أى إذا دخلوا بلدًا عنوة أفسدوه، أى خربوه"، وجعلوا أعزة أهله أذلة أى أهانوهم، إما بالقتل أو بالأسر، وقال الله عز وجل تعقيبًا على كلام بلقيس وتأكيدًا له: "وكذلك يفعلون"، قال الحسن البصرى رحمه الله: "كانت هى أحزم رأيا منهم، وأعلم بأمر سليمان، وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه، وما سُخر له من الجن والإنس والطير"، وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرًا عجيبًا بديعًا، فقالت لهم: "إنى أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه، فيقصدنا بجنوده، ويهلكنا بمن معه، ويخلص إلىّ وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا"، ثم عدلت إلى المهادنة والمصالحة والمسالمة، فقالت: "وإنى مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون"، أى سأبعث إليه بهدية تليق به، وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك، فلعله يقبل ذلك ويكف عنا، أو يضرب علينا خراجًا نحمله إليه فى كل عام، ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا، قال قتادة: "رحمها الله ورضى عنها، ما كان أعقلها فى إسلامها وفى شركها! علمت أن الهدية تقع موقعًا من الناس"، وقال ابن عباس: "قالت لقومها: "إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبى فاتبعوه"، وقد كان قوم بلقيس يعبدون الأجرام السماوية والشمس على وجه الخصوص، و كانوا يتقربون إليها بالقرابين، ويسجدون لها من دون الله، و هذا ما لفت انتباه الهدهد الذى كان قد بعثه سليمان عليه السلام ليبحث عن موردٍ للماء، وكانت حينها جالسة على سرير مملكتها المزخرف بأنواع من الجواهر واللآلئ والذهب، مما يسلب الألباب ويذهب بالمنطق والأسباب، أى أن عرشها وملكها لم يجعلها تتمسك بالحكم وتغلبه على العقل والمنطق، فآثرت حماية شعبها من الهلاك والدمار وحقن دمائه".

ويبدو أن منهج الديمقراطية التى سارت عليه بلقيس كان معمولا به، ليس فى عهدها فقط بل فى العهود التى سبقتها والتى تلتها.. ترى لو كان الهدهد يعيش فى عصرنا الحالى ورأى الرئيس على عبد الله صالح فماذا كان سيقول لسليمان عليه السلام؟ هل كان سيقول له رأيت رجلا لا يرحم شعبه، ويعبد كرسى الحكم ، هل كان سيقول له رأيت رجلا ديكتاتورًا يقتل الأبرياء الذين يطالبون بالحرية؟ ترى ماذا لو علم سليمان عليه السلام بهذا؟ هل كان سيستدعى الرئيس على ويحاكمه على فعلته؟ أم كان سيحضر عرشه ويقول له اتقى الله فى هذا الكرسى؟

إن الملاحظ أن الله سبحانه وتعالى لم يعذب قوم بلقيس رغم أنهم كفار، لأن مملكتهم قائمة على العدل والشورى.. قال العلماء: "إن الله تبارك وتعالى ينصر الدولةَ العادلةَ ولو كانت كافرة، ويُهلك الدولة الظالمةَ ، ولو كانت مسلمة.

أعنى أننا نحن العرب عرفنا الديمقراطية والشورى بمعناها الحق قبل أن تعرفها أوروبا وأمريكا فى العصر الحديث، أليس من المعيب أن نكون فى القرن الحادى والعشرين، ويتسم حكامنا بالديكتاتورية؟ أليس من العيب أن يعلمنا الغرب معنى الديمقراطية وقد أتى الإسلام بمبدأ الشورى، وسبق بذلك كل ديمقراطيات العالم الحديث؟ ترى لو كان شعب الملكة بلقيس طلب منها التنحى هل كانت ستمتنع؟

إن الحكام العرب لا يستفيدون من التاريخ ولا من قصص القرآن، ويوقعون أنفسهم وشعوبهم فى مهالك وأخطار حين يتركون دولا أجنبية تغزو بلادهم فى سبيل عدم ترك عروشهم.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة