دخلت فرحا، وفى قمة سعادتى رغم طول طابور الرجال فى لجنة التصويت فى استفتاء التعديلات الدستورية، ومن شدة فرحتى كنت أتأمل وجوه كل المواطنين، وكأننى أقرأ تعبيرات الوجوه، وأقارن بينها اليوم وبين الحقبة الماضية، لأجد تعبيرات يملؤها التفاؤل والأمل والسعادة والروح المعنوية المرتفعة لكل المتواجدين، صغارا وكبارا وشبابا وبناتا.
وتعلقت عيناى وأنا أراقب برجل كفيف يسنده ابنه الشاب بحرص والسعادة مرسومة على وجهه، لأنه لأول مرة اعتقد منذ سنوات مثلى أن صوته له قيمة، فجاء ليشارك فى الاستفتاء الذى كان فى لجنة قريبة من عملى، فمنذ 15 عاما تقريبا، دخلت أول وآخر تصويت فى حياتى، عندما دخلت لألبى نداء الوطن، عندها تناولت بطاقة الاقتراع لأعلّم على اختيارى، لأجد ضابط الشرطة يقول لى: "اسند هنا"، فقلت له: "أنا مستريح هنا"، إلا أنه دعانى لذلك مرة أخرى، فقررت ألا أستجيب، فرمقنى بنظرة حادة أثناء خروجى، فلم أعره أهمية، وبعدها قررت أن أكون إنسانا سلبيا، وألا أشارك فى أى اقتراع أيا كان.
إنه بالفعل زمن غابر، ونظام غادر يرهبنا ويرعبنا فيصوت فى النهاية ويختار بدلا منا، ليريحنا من التفكير والاختيار والذهاب.
وأثناء سرحانى وتفكيرى شد انتباهى أحد الأشخاص، وفى يده نموذج لبطاقة التصويت يشرح للناس بحزم كيف نختار مانريد، فيقول: "لابد أن نعلّم علامة صح على اختيارنا سواء بالنفى أو الإيجاب، لأننا لو علّمنا بأى علامة غير علامة صح سيكون الصوت باطل".
وأثناء شرحه رأيت إحدى السيدات المسنات، ووجهها مرسوم عليه علامات القلق والترقب والخوف، لأنها تتخيل أننا لازلنا فى الزمن الغابر الذى سُلبت فيه حرية الاختيار، فاندفعت وبصوت عالى موجهة كلامها لهذا الشخص: "أنا حاقول نعم، والله لقايلة نعم"، فانفجرت ضاحكا، وقلت لها: "يا أمى قولى ما تريدينه، لأ أو نعم، مايهمكيش لقد مضى زمن الخوف والكبت وكتم الرغبات، نحن الآن فى عصر الديمقراطية والحرية، الذى نقول فيه مايحلو لنا".
إنها مصر الجديدة ، مصر الحرية والأمل بلاخوف أو قلق من أى شىء كان.
محمد الحفناوى يكتب: خافت أن تصوت بـ " لا "على التعديلات الدستورية
الأحد، 27 مارس 2011 06:36 م