أربعون متراً هى المساحة المتوقعة للعمل الملحمى "جدارية الثورة" للفنان التشكيلى طه القرنى يعبر من خلاله عن أحداث ثورة 25 يناير برؤية تشكيلية، لتكون خطوة ثالثة فى طريقه نحو تثبيت لقبه "فنان الجداريات" حسب تسميه النقاد له بعد عمله الملحمى "المولد" الذى دخل لموسوعة الأرقام القياسية "جينيس" كأطول لوحة تتحدث عن موروثات شعبية بـ 32 مترا.
وعن جدارية الثورة قال "الحدث نفسه يفرض على الفنان التأثر به، فتغير بطل اللوحة وتبدلت رموزها، فتشاهد فى الجدارية وجوها جديدة لشباب أصبحوا هم أبطال المشهد، قد يكون هذا جديداً على اللوحة التشكيلية وأصبحنا نرسم أبناء يحبون الوطن، وهذا ليس اختراعاً، ولكنه نتاج ثورة فرضت أبطالها، وحتى المصطلحات التى أطلقها الشباب بخفة دم أحياناً خالية من كلمات مدنسة أو سباب، أدخلت الخط والكلمات كأحد مفردات اللوحة هذه المشاهد تظهر عراقة شعب وأصبح الآن بطل اللوحة شاب عمره 18 عاماً بعد أن كنا نهتم بالعجائز وأثر حفر السنين على وجوههم والكثير منا الآن يرسم وجوها شابة دون أن يلحظ أن أبطاله تغيرت.
ورداً على سؤال حول سرعة إنجاز الجدارية فى وقت قصير بعد أحدث الثورة قال القرنى "الفن التشكيلى ليس كالشعر، لأنه يحتاج لوقت حتى يستطيع الفنان هضم الحدث ويعيد صياغته بأدواته، وحتى الأديب يستطيع التفاعل مع التفاصيل ويسرد ما حدث بأدواته ولكن التشكيلى يكتب عن إحساس الثورة باستخدام التعبير اللونى.
والجدارية لم تطل فترة التفكير فيها وهضمها بالنسبة لى، لأنى استغللت الانفعال الحادث وقوة تأثير الحدث لأنى كنت أرى إرهاصات للثورة فى الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات أمام مجلس الشعب ولكنى لم أتأثر بها لأنها كانت تعبر عن فئة معينة وليست نبض شعب.
وأضاف القرنى "لا أحد كان يستطيع التنبؤ بما حدث فى الثورة ، وعن نفسى خاب ظنى لأنى عندما قدمت معرض "سوق الجمعة" توقعت أن تقوم ثورة جياع، ولكنها تحولت لثورة عبقرية وقدمت رمزا جديدا لشعب وشباب أخجلوا جيلى لأنهم قاموا بما لم نستطع فعله.
وعن الفارق بين التعامل الفنى فى ثورتى يوليو 52 و25 يناير قال "قديماً التأثر التشكيلى بالثورات خرج فى لوحات من الحجم الصغير ولكنها الآن تحولت إلى ملحميات بقدر الحدث نفسه، لأن ما حدث لم يترك لى الفرصة بأن أقوم بلوحات صغيرة وقمت بدورى بما هو معروف عنى بأنى "فنان الجداريات" - حسب وصف النقاد لى- وفتح لى المجال بأن أنقل أكثر المشاعر الموجودة لدى الثوار، فكانت اللغة التأثيرية التى أستخدمها تحتاج إلى شىء ملحمى مثل لوحة سوق الجمعة أو المولد وبالتالى جدارية الثورة، وأيضاً أحداث 52 كانت لإزالة الطبقية ورأس المال ودعوة إلى الاشتراكية، ولكن ما يحدث فى مصر الآن يبدو شكلاً من الاشتراكية ولكنها تحترم رأس المال لأنه كان هناك سوء فهم وإدارة وفساد فى كل الأنظمة وسعت إلى إقرار العدالة الاجتماعية واستعادة كرامة المواطن، والفن فى الخمسينيات أيضاً دوره كان مناشدة طبقة معينة والآن لا توجد طبقات مستهدفة، هناك تصور عام للحقوق والمساواة ورفض فكر الفساد والاحتكار للسلطة والثروة عبر عنها الفن والشعر والأدب، وفى ثورة 52 تحديدا هناك فنانون تشكيليون تنبؤا بها ودافعوا عنها ولأن الفن جزء مكمل لأى ثورة، كون منظومة مع الأدب والشعر ليقدم ضمير مجتمع، وأيضا ما كان موجوداً أيام ثورة 19 ولكن ليس بالشكل الموجود عليه الآن.
وأشار القرنى إلى أن تنوع أماكن الأحداث لم يمثل عائقاً أمام جدارية ملحمية تتضمن لقطات متنوعة، وقال "خلفية العمل ستكون مصر كلها، فى أعمالى لا أعتمد على الخلفية لإثبات المكان ولكنى أتعامل مع الرموز والملابس التى توضح موقع الحدث، صحيح أن ميدان التحرير أصبح هو الرمز الأكبر للثورة ويستأثر بست لوحات من الجدارية ولكن هناك بعض اللقطات الأيقونية خلال الثورة تعاملت معها مثل مسجد القائد إبراهيم فى الإسكندرية أو قسم الأربعين فى السويس أو الأمهات اللواتى نزلن مطالبات بالثأر لدم الشهداء أو أحداث يوم الغضب أو موقعة الجمل وكلاها أحداث أيقونية رمزية للمكان، كل هذه التفاصيل قد تبدو منفصلة فى أماكنها ولكنها متصلة فى أحداثها، وفى النهاية الفن ليس مطلوب منه التطابع مع المواقع بقدر تأثره بالحدث ويحوله لعمل تشكيلى.
وأوضح أنه أرجأ تنفيذ مشروعه لرسم جدارية يصل طولها إلى ألف متر ينقل فيها تاريخ مصر، مضيفا أنه يعيد صياغة الأمور وينتظر عودة الاستقرار لأن الثورة فرصت معطيات جديدة يجب التعامل معها بعد أن كان قد انتهى من الرسوم التحضيرية للجدارية.
ورداً على سؤال عما إذا كان سيعيد صياغة أجزاء من جدارية مصر بها الرئيس السابق حسنى مبارك قال: "مبارك لم يكن ضمن أحدث الجدارية من الأساس، لأن أحداثها تبدأ من فترة حكم محمد على وتنتهى عند حرب أكتوبر ولم تتضمن فترة حكم مبارك، ولكن الآن وجب على أن أضيف مساحة جديدة عن الثورة لأنها حدث غير وجه مصر ولا يمكن تجاهله.
وعن ترشحه لنقابة التشكيلين قال: "تقدمت بأوراقى للترشح وهو هدف أسعى إليه منذ عامين ولدى رؤية عن إعادة هيكلة النقابة وتحويلها إلى كيان منتج لأنها اقتصرت خلال السنوات الماضية على الجانب الخدمى البسيط، وأطمح أن تتساوى مع حقوق النقابات الأخرى لأن نقابة التشكيلين من أضعف النقابات فى مصر فى الجانب الإنتاجى الذى يضمن للمنتسبين إليها مستوى جيد من الرفاهية مع الجانب الخدمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة