سامح جويدة

داخل كل منا فرعون "نونو"

الخميس، 24 مارس 2011 07:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لأننا شعب مختلف فلنا أفكار مختلفة عن باقى العالم.. لنا نظرة فى غاية الخصوصية، ورؤية متفردة قلما تشاهدها فى أى دولة أو مجتمع أخر.. اتضح هذا التفرد فى معالجتنا المتميزة لقضايا الوطن، الذى حصلنا عليه بطلوع الروح بعد 7000 سنة من الاستعمار، الداخلى والخارجى والمختلط.. فنحن نتكلم فى وادى ونتحرك فى وادى مختلف تماما.. نضع الأفكار المثالية عنوانًا للطريق ونمشى فى الاتجاه المعاكس.. نقول ما نقول، ونفعل العكس تماما، بلا تعجب أو خجل.. وإليكم بعض نماذج هذا التخبط..

• الكل الآن يطالب بحرية الرأى، ويغنى فى أهمية الشورى، وفتح حوار مشترك بين كافة التيارات والطوائف والفئات والأفكار.. ندعو لكل ذلك لكننا أغفلنا الأهم..

فالمطالبة بحرية الرأى تفترض أن يكون لديك القدرة على سماع آراء الآخرين، ومناقشتهم بصبر ودقة وموضوعية، وأن يكون هناك أمل فى أن تتواضع وتتنازل وتقتنع بالبعض منها.. والمشهد الحالى يؤكد أن ذلك مستحيل.. فالكل يتكلم ولا أحد يريد أن ينصت أو ينتبه لكلمات الآخر.. حوار صارخ بين طرش لا يسمعون ولا يفهمون، فكيف يصلون إلى حرية الرأى بالله عليكم؟ تخلصنا من الفرعون الكبير ليظهر داخل كل منا فرعون "نونو" يحكم البلد من وجهة نظره الشخصية فقط، حتى من يطلقون على أنفسهم ليبراليين أخذوا الليبرالية كصفة وأغفلوها كسلوك، ونسوا أن الليبرالى هو الشخص المتحرر، لدرجة أنه لا ينحاز إلى رأيه فى خلاف ما، هكذا وصف روبرت فروست الشاعر والمفكر الأمريكى السلوك الليبرالى منذ 60 عاما.. فأين نحن من ذلك ؟.. للأسف أبعد بكثير!.. فقبل أن نطالب بالغطس يجب أن نتعلم العوم، لأننا قد نغطس ولا (نقب).. بصدق شديد يجب أن نتعلم الإنصات لآراء الآخرين حتى لو اختلفنا تماما، وأن نتقبل تلك الآراء ونحاول العثور على نقاط اتفاق والمشاركة بدلا من الإلحاح المستمر على نقاط الخلاف والتنافر.. فحتى فى حواراتنا الشخصية التى تتناول خلافات سياسية أو فكرية ينقصنا القدرة على الاستماع، والاتفاق ولو فى البديهيات.. لذلك ندخل تلك الحوارات بلا فائدة ونخرج بلا نتيجة.. ليظل الخلاف الدائم هو الحال الدائم.. فلنفكر قليلا فى ذلك، قبل الدخول فى أى حوار لعلنا نخرج بنتائج مشتركة، وبعلاقات أفضل وبحرية حقيقية، وليست شعارات كاذبة نكتبها متفاخرين على (الفيس بوك).

• و لا يختلف أحد منا على المقولة الخالدة "الدين لله و الوطن للجميع" وبالرغم من ذلك تخرج علينا الحركة السياسية الآن بالعشرات من الأحزاب الدينية، وكأنها "فره".. الإخوان والمنشقين عنهم والجماعات الإسلامية، ومن منهم السلفيين والصوفيين والأقباط المصريين وأقباط المهجر وأقباط الصعيد .. فإذا اختلفنا مع أفكار تلك الأحزاب وبرامجها وسياساتها فهل يندرج هذا الخلاف تحت بند الحرية أم تحت بند الكفر؟.. وأين أحلام الثورة وشعاراتها الرنانة حول الدولة المدنية وحقوق المواطنة والمساواة العقائدية طالما أدخلتنا فى سباق التسلح الدينى و السياسة العقائدية؟ لماذا نقحم قدسية الدين فى خطايا السياسة؟ ونجعل من الخلاف السياسى خلاف دينى ونزيد الفجوة اتساعا بين كافة الأطراف، ناهيك عن القضايا الخلافية التى سوف تظهر على الساحة، مع تمسك كل طرف بدينه أو مذهبه فى الشئون الاقتصادية والسياسية.. ألم يسمع هؤلاء عن الانقسام الذى خلقه و نشره "علم الكلام و الفرق الإسلامية" فى تاريخ الخلافة، أو "تسيس الكنيسة" فى الدول الأوربية؟ كما أن التجربة التركية أو الألمانية مختلفة تماما، وليس لها مرجعية دينية كما نظن، لأن أى ديانة تخرج منها عشرات التيارات والأفكار والمواقف التى قد تكون متناقضة، فما هو وجه الدين الحقيقى منهم؟ وعلى أى حال لا يجب خلط الدين بالسياسة المدنية، التى تتحمل المغالطات وتقبل بالأخطاء، والدين أعظم بكثير من ذلك، فلا يجب أن نلوث هلال الجامع أو صليب الكنيسة بهذا العبث.. ولو نشطت تلك الأحزاب وتوسعت فى جذب المواطنين تحت اسم الدين، و شعاراته العاطفية فنحن متوجهون إلى كارثة.

• ولم تتوقف تلك الازدواجية عند حدود حرية الرأى أو الفكر السياسى، بل وصلت إلى أبسط النواحى المعيشية، فالكل يتكلم على الحرية والنظام والحقوق حتى ينزل إلى الشارع فيمشى فى الممنوع، ويركن صف عاشر، ويعلق أرقام 25 يناير.. الكل يعطى لنفسه الحق فيما يحرمه على الآخرين.. الكل ينطق بالمثالية والكمال والحق ويمسح كل ما قاله "بالأستيكة" حينما يتحرك أو يتصرف.. فيا أيها الفرعون "النونو" اخرج من داخلنا كى نستطيع أن نعيش..








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة