هناك رسائل شديدة الخبث يجرى حاليا الترويج لها وتكريسها فى إطار تغطية ما يحدث فى مصر.. رسائل تحاول أن تحمل الشعب المصرى إلى تبنى فكرة محددة وهى الرعب من الديمقراطية.
فحوى هذه الرسائل يقول بوضوح إن الديمقراطية هى المسئولة عن فوضى الاعتصامات والإضرابات وهى المسئولة عن الانفلات الأمنى.. وهى المسئولة عن الفتنة الطائفية والخطاب السلفى المتشدد، الذى تتم المبالغة فى عرضه وتقييم تأثيره.. وأن الديمقراطية والحرية أمام صندوق الانتخابات سوف تعنى بالضرورة عودة مصر إلى عصر كفار قريش الذين يتحدثون بطريقة "تبت يدك يا حنظلة ".. يتم تبطين هذه المسئولية فى رسائل إعلامية منظمة شديدة الذكاء لتؤدى فى النهاية إلى نتيجة واحدة ومؤكدة، وهى أن يكفر الشعب بالديمقراطية والحرية وينادى الناس أنفسهم بضرورة أن تزرع السلطة القيود فى أيدى الناس والكمامات على أفواههم حتى ننقذ أنفسنا وننقذ الوطن من شرور الحرية المنفلتة التى تبدو بلا ضابط أو رابط.
يريدون منا أن نزهق من أخبار المظاهرات والاعتصامات فنطالب الحكومة بأن تضرب بيد من حديد على المعتصمين أو المتظاهرين ونستدعى نظرية سماح أنور الشهيرة فى ضرورة "حرقهم بجاز".. ويريدون منا أن نرتعب من خطاب بعض السلفيين المتعصب الغارق فى الجهل والجهالة، فنجرى لنقبل يد الحكومة لكى تخرسهم وتطاردهم وتعيد فتح السجون لاعتقال كل من يشتبه فى أن لحيته تتجاوز الحد المقرر "للسكسوكة".
هذا هو الفخ الذى يحاول بقايا النظام القديم أن نسقط فيه.. وهذا هو الطريق الوحيد الأكيد الذى يستطيعون أن يسيروا فيه من أجل غلق أبواب الحرية من جديد.. وليس جديدا أن نشير إلى أن كثيراً من مظاهر الفوضى فى المظاهرات أو فى الخطاب السلفى أو الطائفى تمت صناعتها بشكل محكم من جانب بقايا النظام القديم الذين مازالوا يسيطرون بشكل مريب على كثير من مفاصل الدولة ومؤسساتها الإعلامية والتنفيذية والأمنية.. (بالمناسبة.. حتى هذه اللحظة لم يتم القبض على من قام بهدم كنيسة أطفيح لعل المانع خيرًا).
للخروج من هذا الفخ يجب أن يكون واضحا وصريحا انحياز الشارع إلى الحرية.. حرية من نؤمن بأفكارهم وحرية من نرفض أفكارهم (أو نخاف منها) على حد سواء وإذا كان فى بعض الخطاب السلفى على سبيل المثال ما يثير الفتنة فيمكن وضع قاعدة قانونية ملزمة تجرم استخدام صيغة "التكفير" وتجرم التعرض للدين الآخر فى الخطاب السياسى.. وبالنسبة لحرية التظاهر فهى بدورها حق أصيل ومؤكد من حقوق الإنسان لا يجوز أن نضيق به أو نرفضه بحجة أننا "زهقنا" وإنما فقط يمكن وضع قواعد قانونية تنظم حق التظاهر دون أن تمنعه أو تجرمه (هذه القواعد القانونية موجودة بشكل واضح "فى أوروبا والدول المتقدمة" ويمكن أن ننقل الخطوط العامة لها بشكل سريع لتحدد إطارا قانونيا يحقق حق التظاهر ويقلل حالة الفوضى التى يمكن أن تصاحبه).
هاتان النقطتان يجب أن يتضمنهما قانون مباشرة الحقوق السياسية بشكل عاجل وسريع.. لوضع النقاط على الحروف وقطع الطريق على من يريدون من الشعب أن يندم على أنه طالب بالحرية.