بدأت القوات البريطانية يوم السبت، مشاركتها فى العمل العسكرى فوق أجواء ليبيا ضمن عملية دولية بالتعاون مع الولايات المتحدة وغيرها بناء على طلب من الدول العربية، وذلك تنفيذا لإرادة الأمم المتحدة.
وتماشيا مع قرار مجلس الأمن الدولى 1973، فإن لهذه الضربات العسكرية هدفان، أولهما هو إحباط الدفاعات الجوية الليبية وتمكين فرض منطقة الحظر الجوى بشكل آمن فوق أجواء ليبيا، وثانيهما هو حماية المدنيين من هجمات نظام القذافى ضدهم، وقد تم إحراز تقدم جيد فى ذلك، حيث إن قوات التحالف تمكنت من تحييد الدفاعات الجوية الليبية، ونتيجة لذلك أمكن تنفيذ فرض منطقة الحظر الجوى فوق ليبيا بفعالية. كما أنه من الواضح أن قوات التحالف ساعدت فى تفادى مجزرة دموية فى بنغازى - ربما بالكاد فى الوقت المناسب.
لكن من الضرورى أن نتذكر كيف وصلنا إلى هذا الإجراء الشديد والخطير.
ففى مساء يوم الجمعة 18 مارس حددتُ أنا والرئيس أوباما والرئيس ساركوزى الشروط التى يتوجب على العقيد القذافى استيفاؤها وفق متطلبات القانون الدولى الموضحة فى قرار مجلس الأمن رقم 1973. فقد قلنا بأنه لا بد أولا من تنفيذ وقف فورى لإطلاق النار، ولا بد من وقف كافة الهجمات ضد المدنيين. وثانيا، قلنا بأنه يتوجب على القذافى وقف تقدم قواته تجاه بنغازة. وثالثا، قلنا بأن على القذافى سحب قواته من أجدابيا ومصراته والزاوية، وتوفير إمدادات المياه والكهرباء والغاز لكافة المناطق، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية للشعب الليبي.
استجاب القذافى بإعلان وقف إطلاق النار، لكن سرعان ما اتضح بأنه كسر وعده ذلك. فقد استمر بدفع دباباته تجاه بنغازى بأسرع وقت ممكن، وبتصعيد عملياته ضد مصراته، ويوم السبت وحده وردت تقارير عن وقوع العشرات من القتلى فى بنغازى والعشرات غيرهم فى مصراته.
وبالتالى كان وجوب إيقافه عند حده ضروريا وقانونيا وصوابا - وكان علينا إيقافه عند حده. ضرورى لأن علينا، إلى جانب آخرين، محاولة منعه من استخدام القوة العسكرية ضد شعبه. وقانونى لأننا نحظى بدعم مجلس الأمن الدولى، وصواب لأننى أعتقد بأن علينا ألا نقف جانبا بينما يبطش هذا الديكتاتور بأفراد شعبه. وتوافقنا بذلك جامعة الدول العربية والكثيرين غيرها.
وخلال القمة التى عقدت فى باريس يوم السبت، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية وممثلون عن الدول العربية - من بينها قطر والإمارات العربية المتحدة والعراق والأردن والمغرب - أكدوا تأييدهم، وأقتبس هنا ما قيل، "لكافة الإجراءات اللازمة، بما فيها العسكرية، تماشيا مع قرار مجلس الأمن رقم 1973 لضمان الانصياع بكافة متطلباته."
وقد أوضح وزير الخارجية العراقى خلال هذا الاجتماع بأن فرض منطقة حظر جوى فوق شمال العراق أنقذ حياة آلاف الأكراد، وربما حتى حياته هو شخصيا، ومن حيث المشاركة الفعالة، أعلم بأن القطريين يعتزمون المساعدة فى فرض منطقة الحظر الجوى، كما تنظر دول عربية أخرى فى مشاركاتها إلى جانب عدد من الدول الأوروبية ومن أمريكا الشمالية، وقد تحدثت صباح الاثنين مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذى أكد لى دعمه الواضح لكافة أوجه قرار مجلس الأمن، واتفقنا على وجوب تنفيذه.
كانت الرسالة الصادرة من اجتماع باريس واضحة وصريحة، لقد استجاب المجتمع الدولى لنداء الدول العربية، وأكدنا معا للشعب الليبى "عزمنا بأن نكون إلى جانبهم لمساعدتهم فى تحقيق تطلعاتهم وبناء مستقبلهم ومؤسساتهم ضمن إطار ديموقراطى".
إذا ما الذى سيحدث تاليا؟
سوف تستمر المرحلة التالية من العملية بالتركيز على فرض منطقة الحظر الجوى وحماية المدنيين، وبينما أكتب هذا المقال، مازال القذافى يرتب صفوف قواته لشن المزيد من الهجمات ضد المدنيين - وخصوصا فى مصراته - ونحن عازمون على وقفه عند حده. ورسالتنا لأفراد قوات القذافى واضحة: سوف لن نتسامح مع الهجمات ضد المدنيين، وكل من يؤازرون تلك الهجمات سوف يحاسَبون على جرائمهم. وقد حان الآن الوقت لأفراد نظام القذافى بأن يهجروه، عليهم وضع أسلحتهم وهجر دباباتهم والتوقف عن تلبية أوامر من بطش بأفراد شعبه.
بالطبع ليس هناك عمل عسكرى غير مصحوب بمخاطر، لكننا نبذل بكل تأكيد كل ما فى وسعنا لتجنب وقوع ضحايا بين المدنيين. وقد ألغى طيارو سلاح الجو الملكى البريطانى يوم الأحد مهمتهم عندما تبين لهم بأن هناك مدنيين متواجدين بالقرب من أهداف عسكرية تم تحديدها. وهذا مثال جلى جدا على ما نتعنّاه فى محاولة لتخفيف خطر وقوع إصابات بين المدنيين.
من الضرورى أنه فى دعمنا لتنفيذ القرار أن يخطط النظام الدولى الآن لاستقرار السلام الذى يتبع ذلك. ربما ينطوى ذلك على إصلاح سريع للبنية التحتية المتضررة، والحفاظ على استمرارية تقديم الخدمات الضرورية كالرعاية الصحية والتعليم، وإصلاح القطاع الأمني، وضمان المضى بعملية سياسية صريحة وشفافة لإجراء الانتخابات. ولسوف تلعب بريطانيا دورها فى ذلك.
وبما يتعلق وما يجرى على الصعيدين السياسى والدبلوماسي، فإن المهم حقاً هو أن مستقبل ليبيا يقرره شعبها، بمساعدة من المجتمع الدولي. وقد أوضحت المعارضة الليبية أنها لا تود رؤية أى تقسيم للبلاد، وهذا هو موقفنا نحن أيضا. كما أعربت المعارضة عن رغبتها الجامحة الواضحة فى رحيل القذافي. ونتفق معها فى ذلك أيضاً.
إن قرار الأمم المتحدة محدودٌ فى نطاقه. فهذه العملية العسكرية لا ترمى إلى تغيير النظام: بل إنها لحماية المدنيين. ولكننا سنواصل تطبيق سلسلة واسعة من العقوبات الصارمة الهادفة إلى ممارسة الضغط على النظام. ولا يمكن لأحد أن يتكهن بما يخبئه المستقبل طبعا، ولكننا وصلنا الآن إلى وضع أصبح فيه لدى شعب ليبيا فرصة أفضل بكثير لتقرير مستقبله.
إلى أولئك الذين ما زالوا يعارضون هذه العملية
ثمة من يقولون إننا نثير متاعب للمستقبل وحسب، ويقول هؤلاء إن العرب والمسلمين لا يمكنهم تأسيس أنظمة ديموقراطية وإن من شأن توفير المزيد من الحريات فى هذه الدول أن يؤدى إلى التطرف وعدم التسامح. أما أنا فأعتبر هذه الحجة مهينة ومتحيزة جدا، لا بل إنها خاطئة تماما وقد ثبت خطأها. وما علينا إلا أن نتذكر أن هذا هو ما قيل عن مصر قبل شهر واحد فقط.
قالوا إن رحيل مبارك سوف يؤدى إلى فراغ خطير يستغلُّه المتطرفون لتعزيز قوتهم. بيد أن الصورة الدامغة يوم السبت الماضى تجلت فى وقوف الملايين من الناس بصبر واعتزاز فى طوابير طويلة لممارسة حقوقهم الديموقراطية، وكانت المرة الأولى التى يتسنى للبعض منهم فعل ذلك.
إننى أتحسب من أن تؤدى مشاهدة صور القصف على التلفزيون إلى تذكر العمليات المؤلمة فى العراق عام 2003، ولربما أخذ البعض يفتش عن أوجه الشَّبه بحثا عن أجندة سرية، وأود أن أشير هنا إلى أن قرار الأمم المتحدة - الذى صغناه بالتعاون مع اللبنانيين والأمريكيين والفرنسيين - يوضح بشكل جلى أنه لن يكون هناك احتلال لليبيا. فالقرار يفوض عمليتنا ويضع حدوداً لها، وهو يستثنى تحديدا وجود أى قوة احتلال بأى شكل ولأى جزء من الأراضى الليبية.
غير أن اختلاف الأمور مع العراق أعمق من ذلك، حيث لا يقتصر الأمر على أن العملية هذه المرة تحظى بتفويض كامل وغير مبهم من الأمم المتحدة، ولا أنها تحظى هذه المرة بدعم من دول عربية وائتلاف دولى واسع. فالنقطة هنا هى أن هناك الملايين فى العالم العربى يريدون أن يعرفوا بأن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والفرنسيين والمجتمع الدولى يكترثون لما يصيبهم من معاناة وقمع. لقد طلب منا العالم العربى أن نعمل معه لوقف المذابح. وعلينا أن نلبى النداء.
ننشر مقال ديفيد كاميرون: "المجتمع الدولى استجاب لنداء الدول العربية"
الأربعاء، 23 مارس 2011 02:30 م