بعد وصولى بحمد الله وسلامته إلى داخل سور المدرسة من البوابة الرئيسية محاطاً بالمئات من المصريين الشرفاء الذين ذهبوا للإدلاء بأصواتهم الحرة الديمقراطية فى الاستفتاء على تعديل الدستور شباباً وشيوخاً فتياتٍ وسيداتٍ مسناتٍ ورجال بالـ " جلاليب" وآخرين بـ " الجينز" شباب كلاسيك وشباب فنكى ..كل مصر كانت هناك.. مصر كلها عاوزة تتنفس حرية..فوجئت أننى ما زلت أمام طابور طويل للغاية يمتد مئات الأمتار على الرمال الصفراء الذهبية داخل فناء المدرسة.. نطرت للطابور بفرحة حقيقية، طابور للرجال وطابور للسيدات.. وكان علم مصر يرفرف وسط الفناء متألقا حتى أننى أحسست أنه يعى تماماً ما يجرى حوله من فخر لكل إنسان مصرى يتذوق معنى أن يقول رأى.. لأنه كانت كلمة رأى دى كلمة قبيحة ولا مؤاخذة.. مر الوقت لطيفاً على الرغم من حرارة الشمس والرمال والحوارات الجانبية على ضفتى الطابور بين مؤيد لنعم ومعارض لها.. وكان أكثر المشاهد جمالا فى المسنين للغاية الذين ذهبوا يتوكاؤون على عصواتهم وذويهم حتى يذهبوا للصندوق.. وكل هذا يؤكد مكاسب الثورة التى سالت فيها دماء شهداء مصر.. ولكن الطامة الكبرى كانت أن الكثيرين منهم.. لم يعرفوا شيئاً عن الاستفتاء تقريبا.. ذهبوا للمشاركة دون وعى حقيقى بخطورة الأمر وعواقبه.. دخل أحدهم إلى اللجنة وكان أمامى وأخرج بطاقته وتم تدوين أرقامها وأمسك بورقة الاستفتاء.. وإذا به يقلبها يميناً ويساراً ويسأل الموظف.. أعمل إيه بقى؟ أكتب اسمى فين؟ قال له: لا تكتب اسمك ولكن قل رأيك.. نعم أم لا.. أجابه الرجل المسن البسيط الجميل.. ماعرفش..أنتوا قلتوا ايه؟..أعمل أيه؟ أخبره الرجل أن الدائرة الخضراء نعم والسوداء لا.. كرر الرجل السؤال بجدية؟ قال له علّم عالخضرا.. فأمسك بالقلم وعمل شرطة زرقاء صغيرة بجوار الدائرة الخضراء التى تعنى نعم..
ياالله.. أنها الحقيقة التى حدثت مع آلاف أو مئات الآلاف والملايين من البسطاء المصريين.. فنحن شعب تصل نسبة الأمية الحقيقية فيه إلى أكثر من 40 % حسب بعض التقديرات العالمية.. والأمية السياسية قد تصل إلى الضعف.. أن صوت هذا الرجل الذى ملأ الاستمارة صوته تماما مثل صوت عمرو موسى ومحمد البرادعى ويحى الجمل وعمرو حمزاوى والغزالى حرب.. صوت مواطن مصرى.. أنها النتيجة التراكمية لفساد مبارك وإفساده لمصر.. إنها نتائج الديمقراطية وحرية ما بعد الثورة وسنتقبلها بمضاعفاتها.. لكن بشرط أن نكون جادين فى حصرها ومواجهتها.. أنا حر أقول ما أعتقد به وأقتنع به.. وأضحى بكل شىء من أجل أن يقول معارضى رأيه أيضا.. تلك هيه الحرية الناتجة عن وعى وفهم ومعرفة ودراية.. وليس حرية التبعية والتغييب.. كفانا ما عانينا منه من تغييب طوال عقود ثلاث أو أكثر.. لابد أن تتحد أيدى من قالوا نعم مع من قالوا لا من أجل مصر.. فمصر لابد أن تنتصر فى النهاية وتصبح مصر الحرة الديمقراطية.. وليست مصر نعم أو مصر لا..
