لعبت المؤسسات الدينية فى مصر، والمتمثلة فى الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، على مر التاريخ دوراً مهماً داخل المجتمع المصرى، تمثل هذا الدور غالباً فى الحفاظ على وحدة الشعب المصرى، وهو ما كان له بالغ الأثر فى حماية مصر من الكثير من التهديدات والأخطار التى واجهتها، سواء كانت تلك التهديدات خارجية أو داخلية.
ولكن فى ظل المتغيرات المهمة التى تشهدها الساحة المصرية منذ 25 يناير الماضى، والتى تهدف فى الأساس إلى إرساء قواعد الدولة المدنية الحديثة، يثور التساؤل حول الدور الذى يجب أن تلعبه مؤسساتنا الدينية فى الفترة القادمة.
فى الواقع، إنه لا يمكننا، بأى حال من الأحوال، أن نتجاهل دور المؤسسات الدينية فى مجتمعنا المصرى، نظراً لأهميته من ناحية، وكذلك لارتباط الغالبية العظمى من شعوبنا الشرقية بتلك المؤسسات ورموزها الذين لعبوا دور القدوة لقطاع كبير من الشباب لفترات طويلة، خاصة فى ظل غياب القدوة الوطنية من ناحية أخرى.
كما أنه لا يوجد كذلك ثمة تعارض بين النظام المدنى للدولة من جهة، ومبادئ أدياننا السماوية من جهة أخرى، خاصة وأن مبادئ الدولة المدنية والمتمثلة فى المواطنة والديمقراطية وغيرها، تجد أساسها فى الكتب السماوية.
ولعل المثال الأبرز الذى يتبادر إلى الذهن فى هذا الإطار، هو الدور الذى لعبه كل من الأزهر والكنيسة، إبان ثورة 1919، والذى تمثل أساساً فى دعم وحدة المصريين من أجل تحقيق الاستقلال، والذى تحقق بالفعل بتصريح فبراير1922، والذى اعترفت فيه بريطانيا العظمى باستقلال الدولة المصرية. وهو ما يعنى أن دور المؤسسات الدينية لا يتوارى فى ظل الدولة المدنية، إنما يظل قوياً ومؤثراً.
من هنا نجد أن هناك ضرورة لوجود دور ملموس للمؤسسات الدينية المصرية فى المرحلة القادمة، والتى نتطلع فيها إلى دولة مدنية تقوم على حكم مؤسساتى من خلال إعادة هيكلة مؤسسات الحكم، ولكن قد يثور الخلاف حول ماهية هذا الدور، خاصة بعد ما شهدناه فى مرحلة ما قبل الاستفتاء الأخير، حول التعديلات الدستورية، من محاولات لتوجيه الجماهير نحو الإدلاء بالموافقة على التعديلات أو رفضها إلى الحد الذى وصل إلى التحريم فى بعض الأحيان، سواء كان هذا من جانب بعض الدعاة أوالمشايخ أو بعض الجماعات السلفية من ناحية، أو من جانب بعض رجال الكنيسة وأراخنتها من ناحية أخرى، وهو ما وصفه البعض بالصراع الذى أدى إلى حالة من التحفز لدى الجانبين.
إن المشكلة ليست وليدة اليوم، إنما تمتد بجذورها إلى ما قبل النظام السابق، والذى نجح بدوره فى تنحية المؤسسات الدينية المصرية، بعيداً عن أداء دورها الوطنى، والمتمثل أساساً فى دعم روح المواطنة والانتماء بين أبناء الوطن فى مواجهة مختلف التحديات، والأخطار التى قد تواجه بلادنا، وذلك لصالح دعم النظام ومواقفه أوتوجيه الرأى العام نحو ما يحقق مصلحته.
وهو ما أدى إلى تراجع الدور الوطنى والمجتمعى للمؤسستين الدينيتين الأكبر فى المنطقة، بل وتراجع دورهما العالمى، مما فتح الباب أمام الفضائيات الدينية، والتى كان بعضها منبراً للمتطرفين، لتلعب دور البديل خلال السنوات الماضية، وبالتالى زيادة الاحتقان الطائفى.
أعتقد أن المسئولية الأكبر التى تقع على عاتق كل من الأزهر الشريف والكنيسة القبطية حالياً، تتمثل فى استعادة دورهما الرائد كمنارتين للاعتدال فى الشرق الأوسط، بل والعالم ككل، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبنى خطاب دينى مستنير يدعم وحدة الوطن واستقراره، وذلك بتفعيل حقيقى للمواطنة ودحض لغة التطرف التى سادت فى المجتمع خلال العقد الأخير، دون تبنى موقف سياسى، قد يبتعد بهما عن أداء دورهما الهام والمحورى خاصة فى المرحلة الحالية، والتى تعد الأهم فى تاريخ مصر الحديث.
بيشوى رمزى رياض يكتب: المؤسسات الدينية واستعادة الدور المفقود
الأربعاء، 23 مارس 2011 09:13 ص