بعيدًا عن نتيجة التصويت على تعديلات الدستور التى يجب أن نحترمها جميعًا فقد كنت أتمنى رؤية بيئة صالحة لتقبل الآخر وتعلم ثقافة الاختلاف باعتبار أنه الأمر الأنفع والأبقى للجميع على حد سواء.
إن التخوين ومحاولات فرض الرأى بالقوة على الآخر والتلويح له بشبهة الخروج عن بعض ثوابت الدين أو اتهامه بالعمالة مرورًا بتسيير مجموعات يتعالى صراخها بالسباب حتى يتطور إلى قيامها بإلقاء حجارة على مقربة من هذا الآخر لإرهابه لمجرد أنه قد خالف رأى من يعتقد أنه يمثل أغلبية أو يرى أنه صاحب الرأى الأولى بالاتباع.. كل هذا وذاك نوع من أنواع العنف حتى ولو لم يكن كالمتعارف عليه لدى البلطجية..! وحسناً فعل المرشد العام لجماعة الإخوان بإدانة هذا السلوك بالكامل.
هذا العنف نابع من أسباب كثيرة ليس هنا مجال سردها، وإن كان بعضها بسبب سيادة روح القلق والتوتر أغلب الوقت مع إحساس شبه جماعى بالاغتراب الاجتماعى الذى ترسخ لدينا على مدار سنوات طويلة مضت وترك أثرًا عظيمًا فى نفوسنا بعد أن تملكنا إحساس عميق وغلبنا شعور قوى بأننا لم نكن نستطيع السيطرة على مصيرنا أو امتلاك زمام أمورنا طوال العهود الماضية.
إن غياب العدالة الاجتماعية وانعدام الحرية السياسية لأكثر من نصف قرن مضى كانا أحد أهم أسباب التطرف الذى نعانى منه اليوم.. وهما البيئة الخصبة لظهور العنف الاجتماعى مما أدى إلى انعدام ثقافة الاختلاف مع الآخر وعدم القدرة على الاستماع إليه فأصبح لدينا تطرف فى كل شىء.. فى السلوك.. فى الأفكار.. فى المشاعر وبات من الطبيعى أن يكون العنف نتيجة منطقية لذلك.
لقد فقد البعض القدرة على الحوار والمواجهة وأيضا المناقشة الموضوعية والاستماع للآخر وأصبح أسهل ما نفعله أن نتطاول على هذا الآخر وكأن سحقه هو مهمتنا وغايتنا..!
ثم يأتى أمر خطير آخر هو غياب النقد الذاتى.. وهو ما نفتقده فعلاً ولم نتعلمه حتى الآن رغم أنه كان أضعف الإيمان فى عصور مضت ولن تدخل بسببه فى مصادمات مع أحد إلا ضميرك.
تأمل حوار بعضنا البعض هذه الأيام ستجد أننا ننتقد الآخرين بعنف دون مبرر موضوعى وأحياناً كثيرة باستعلاء وأحيان أخرى بتهكم لا محل له، ثم نجد متعة فى ذلك بعد أن نسمى ما نفعله نقداً..!!
كما يحلو للبعض منا أن يسفه عمل الآخرين ويسخر من أقوالهم وآرائهم بل يغالى حتى يصل إلى حد الشماتة فيما قد يصيبهم من مصائب ويصادف هذا السلوك هوى لدى آخرين فيستحسنونه!
بينما لو كنا نمارس النقد الذاتى لأنفسنا لاختلف الحال ولتوقفنا كثيراً قبل أن نتفوه بكلمة جارحة ضد الآخرين وقبل أن نخوض فى أعراضهم وشرفهم دون سند أو دليل.. ومن المؤكد أننا كنا سنتقدم خطوات كبيرة إلى الأمام وفى وقت قصير وهو أحد الفوارق المهمة بيننا وبين دول أخرى يمارس مواطنوها ومسئولوها النقد الذاتى لأنفسهم.. فيعرفون متى أخطأوا ولماذا أخطأوا ولديهم الشجاعة لأن يقولوا ذلك ولديهم أيضاً ثقافة الاعتذار للآخر وجرأة ترك المنصب للإحساس بالمسئولية لدى من تولاها.
الأمل الآن بعد تجربة الاستفتاء وقبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة فى استعادة قدرتنا على تكوين بيئة خصبة لثقافة الاختلاف مع الآخر، وممارسة النقد الذاتى، والتعلم من الأخطاء والقدرة على تطوير أنفسنا، وإذا كان الاستفتاء 19 مارس مكاسب كثيرة فلا شك أن إحداها كانت رغبتنا فى الظهور بمظهر حضارى لشعب يستطيع أن يقرر مصيره وقد نجحنا فى ذلك إلا قليلاً..!
هل ستغيرنا الثورة البيضاء؟ أعتقد ذلك وكلى ثقة وتفاؤل، وإذا لم تكن متفائلا وواثقًا مثلى فتذكر أرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تحقيق ما كانت الأغلبية منا تراه مستحيلا، وستعرف وقتها أننى محق فيما أقول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة