كثر الحديث عن فلول الحزب الوطنى، والتخوف من حصده للأغلبية فى مجلس الشعب، إن تمت الموافقة على الاستفتاء، وجرت الانتخابات فى المدى القريب.
وهو أمر يحتاج إلى بعض التدقيق، فالحزب الوطنى ليس حزبا فى حقيقة الأمر، ولكنه عبارة عن تجمع كبير لمصالح شخصية متناقضة، ورغبة فى تنسم درجات من السلطة على تفاوتها. ولو سألت أعلامه المعروفين عن برنامجه، أو أهدافه، ووسائله، ستجد إجابات شتى، هى بالحقيقة إجابات شخصية، ليست نابعة من برنامج موحد.
إن الحكومات التى شكلها الحزب الوطنى ليست حكومات حزبية بالمعنى الدقيق، بمعنى أن وزراء الحكومة هم ليسوا من كوادر الحزب المعروفين، والذين يتم تصعيدهم من مستوى إلى آخر أعلى منه فى التنظيمات الحزبية. وإنما هذه الحكومات هى تجميع من أساتذة الجامعات والقضاة ورجال الجيش والشرطة والمعارف، ولا يلبث هؤلاء أن ينضووا تحت راية الحزب، أو يعلنوا ولاءهم له، أو يسكتوا. ولذلك وجدنا بعض الوزراء الشرفاء بين الحين والآخر، منهم عصام شرف، رئيس الوزراء الحالى، وحسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى، ويحيى الجمل، نائب رئيس مجلس الوزراء.
ثم هل سيرفع فلول الحزب الوطنى لافتة فى الانتخابات المنتظرة، بحيث يروجون لأنفسهم بأنهم الإصلاحيون فى الحزب. إن رفع أى مرشح لافتة الحزب الوطنى تعنى بالضرورة سقوطه المدوى من الجولة الأولى، وخروجه من المنافسة.
وإن لم يرفع هؤلاء لافتة الحزب الوطنى واعتمدوا على العصبيات، فستستبدلهم عائلاتهم بآخرين غير معروف انتماؤهم لهذا الحزب، حتى لا تخسر كرسيها فى البرلمان.
لقد خسر الحزب الوطنى وهو فى أوج قوته محافظات بأكملها فى انتخابات 2005م، ولم ينجح أحد من مرشحيه إلا بالتزوير، الذى ليس له محل فى أى انتخابات تجرى فى مصر بداية من اليوم. فهل ستصوت السويس، وبورسعيد، والإسكندرية، والمنصورة، ودمياط، والمحلة، والعريش، والمنيا، وغيرها من محافظات مصر ومدنها لمرشح من الحزب الوطنى، بعد أن سقط منها قتلى وجرحى؟ هل ستصوت القاهرة والجيزة والقليوبية لمرشحى الحزب الوطنى.
ثم لماذا لا يثق البعض فى اختيارات الشعب المصرى، ويتصورون كما تصور النظام السابق أنهم أدرى بمصلحته، وأقدر على الاختيار له، وتحديد الوقت المناسب لبلوغه سن الرشد ليخوض انتخابات تشريعية ورئاسية.
يا سادة إن الثورة هى ثورة الشعب المصرى بالأساس، وليست ثورة الشباب، ولا النخب، ولا القوى السياسية.. إنها ثورة المواطنين الغلابة الفقراء الذين كلت أقدامهم من الوقوف فى طوابير العيش، وتعبت أجسادهم من الانحشار فى الأتوبيسات، وسئموا الإهانات من رجال الشرطة، وملت نفوسهم من ساسة أدمنوا الكذب، وسرقوا ثروة الشعب.
لم يكن الشعب المصرى بحاجة إلى الجرائد الأجنبية، ولا إلى ملفات الفساد التى فتحت ليدرك أن مقدراته تسرق، وأن هناك طريقة أرشد للحكم من الطريقة التى يمارسها النظام، وأن له حقوقا ينبغى أن يحصل عليها.. والملفات والأخبار والوثائق ما هى إلا الدليل على ما استيقنه الشعب المصرى من سنوات طوال.
فاتركوا للشعب المصرى أن يختار ما يناسبه، فى الوقت الذى يناسبه، ولا تكثروا من التنظير له، فكثير ما يحل الشعب بفطرته أمور عقدها تنظير الساسة.
أما عن فلول الحزب الوطنى فلا تخافوا منها، فقد لفظهم الشعب المصرى، ويكفى أن تقول عن مرشح إنه من فلول الحزب الوطنى ليسقط، بل ربما استخدم بعض المرشحين هذه التهمة ضد خصومه ليزيحهم من طريقه.
ويبدو أننا قد أدمنا أن نخاف من الحزب الوطنى حيا أو ميتا، ولم نصدق بعد أنه أصبح جثة هامدة، خرجت منها الروح الخبيثة إلى غير رجعة.
إن فلول الحزب الوطنى لن تجابهكم فى الميادين المشروعة، ولا فى الساحات التى جدد هواءها نسيم الحرية، فهذا ليس ميدانهم، وإنما سيجابهونكم بجرائم ترتكب، وحوادث تدبر، ومظاهرات فئوية تحرك، وليس فى ميادين الانتخابات الحرة النزيهة التى يشرف عليها القضاء، ويراقبها الإعلام ومؤسسات المجتمع المدنى، وتحميها جموع الشعب.
ورغم ذلك ينبغى أن يحجر على الحزب الوطنى فيمنع من ممارسة السياسة، كما يحجر على السفيه الذى لا يحسن التصرف فى ماله.
ولو فاز الحزب الوطنى بالأغلبية فى مجلس الشعب القادم، فهنيئا له حكم مصر.
صفوت الشريف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة