الكلمة السر الأعظم الذى خبأه الله فى مكنون أنواره، وفى أمجاده العلوية، ففى( البدء كان الكلمة)، وهى مخزون الله الذى لا ينفد، من هنا أخشى الكتابة، وأخشى الكلام؛ وأعلم أن الكلمة حق، وأنها أمانة ثقيلة جدا على ذوى الألباب.وقد عرف المصريون قيمتها؛ فخرجوا جماعات فى مشهد كرنفالى تخضر له القلوب المتصحرة، وتحيا منه الأرواح الميتة طربا بقيمة المصرى وكرامته، اليوم علم كل مصرى أن مصر ملك له وأن صوته أمانة يحافظ عليه الشرفاء حتى يصل إلى مستحقيه.
خرج المصريون جميعا، كل واحد منهم حجر من ذهب فى طوابير من بنيان مرصوص، لا فرق بين مسيحى ومسلم، كلنا ورد تفتّح أمام صناديق الاقتراع.
لم أرد أبدا فى مقالى السابق أن أتعرض لقضية (لا ونعم) ، لأننا اليوم نتنسم نور الحرية وعبير الديمقراطية، من حق كل فرد أن يفكر بمفرده، وأن يقرر بمحض إرادته ماذا يريد ولم؟ فالاختلاف سمة الخلق الأولى للكون وقد قال الله تعالى:(ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين) . وقد كنا جميعا أنقياء أتقياء محبين للوطن مبتغين وجه الله ونحن نتوجه إلى صناديق الاقتراع فى عرس جماعى توج بإكليل من شرف وأمانة رأس ثورة التحرير، ساعتها علمت( أن الله محبة) وأن من يحب الله بالتأكيد يحب الوطن، ويستشعر المسئولية .
ولكن غاب عن المشهد عدة أمور أود أن أناقشها مع أولى الأمر:
_ عدد اللجان كانت قليلة جدا وخصوصا فى المناطق المتكدسة بالسكان، ولذلك أهيب بالمسئولين فى المرة القادمة زيادة عدد اللجان، وأحلم لمصر أن يكون التصويت عن طريق الكمبيوتر، وبالرقم القومى والاسم، وحتى لا يكون هناك مجال للتلاعب لا تفتح ورقة الاقتراع إلا بالرقم القومى كما يحدث مثلا فى استمارة الثانوية العامة، وبذلك يستطيع حتى المقيمين بالخارج المشاركة بأصواتهم .
_ غاب عن التصويت أفراد الشرطة، والجيش، والقضاة، وأعلم تمام العلم أن هذا من أجل نزاهة التصويت لأن الأوامر العسكرية تفرض على المرءوسين تنفيذ الأوامر، ولكن مم نخاف؟ إننا نبنى مصر جديدة وهذه الأطياف الثلاثة جزء من نسيج المجتمع، وهيكله ومن حقهم المشاركة بالرأى، أليسوا أناسا عاديين فى بيوتهم إذا ما خلعوا البذلة الميرى؟ أليس لهم رأى ورؤية فى مجتمعهم؟ فلماذا نحرمهم شرف الكلمة وأمانتها إذن؟
_أبناؤنا فى الصحراء فى حقول البترول، فى المحاجر، فى المناجم، لم يكن لديهم لجان للتصويت، فحرموا من المشهد وهم يؤدون واجبهم نحو وطنهم، فهلا سهلنا عليهم فى المرة القادمة، وأقمنا لهم لجانا بالقرب من عملهم .
_المرضى فى المستشفيات أسقطناهم من حساباتنا، فزدناهم مرضا على مرض بتجاهلهم، ولا أنسى أسى ابنى الذى يرقد الآن فى إحدى مستشفيات مصر، متمنيا أن لو كان هناك لجنة لاقترع وأحس بقيمته ودوره الفعال.
ما أشد سعادتى الآن ونحن نناقش حرص الجميع على المشاركة، ووسط هذا المشهد النورانى الملكوتى، خرجت علينا أصوات صواريخ (التوماهوك) البريطانية ضاربة أرض ليبيا الحبيبة وبحجة حماية الثوار والقضاء على الطاغية معمر القذافى فى عملية أسموها (الأوديسة)
والأوديسة ملحمة شعرية يونانية كتبها هوميروس فى القرن 8 قبل الميلاد.والقصة تصور بطولة جنود حرب طروادة وتمجد بطولاتهم ، وتركز على البطل الرئيسى للحرب والذى يسمى (أوليس) صاحب فكرة حصان طروادة، وطوال القصة نشاهد زوجته (بنيلوب) التى تنتظر رجوعه، وترفض العرسان المتقدمين لها بعمل حيلة وهى أنها ستتزوج بمجرد أن تنتهى من نسج فستان العرس فتنسج طول النهار أمامهم ثم إذا ما انفضوا بالليل تنقض غزلها أنكاثا لتظل تغزل إلى أن يأتى زوجها ومخلصها . فهل قصدوا بهذا الاسم تمجيد عملياتهم الحربية فى العراق والآن فى ليبيا؟ أم قصدوا أن الثورة الليبية هى بنيلوب التى تنتظر مخلصها؟ وهم مخلصوها.
المشهد أدمى من ذلك وأجرح للقومية العربية فتعلموا من الشعب المصرى وقولوا كلمة حق الآن وقتها فى وجه قاتليكم، فإن بكت أمريكا على الشعوب العربية فمن أجل مصالحها، وإن صوتت فى مجلس الأمن فمن أجل البترول، والدليل التباهى بالعدة الحربية من صواريخ وطائرات على موقع bbc . فلا تنخدعوا وتوحدوا وارحموا دماء شعوبكم التى عانت من حكام مجانين وعالم أكثر جنونا .ورحم الله الشاعر التركى ناظم حكمت حينما قال :إذا لم ننخدع فنحن موجودون!
أما إذا خدعنا فلا وجود لنا!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة