اعتاد الناس حين يرون غنيا من الأغنياء أو حوتا من حيتان هذا الزمان، أن يتساءلوا ببراءة قد لا تخلو من حسد أو غبطة، عن مصدر ثروة هذا الحوت، هل ورثها عن أسلافه؟ هل عائلته غنية فيصبح غنيا بالوراثة؟ أم هل حصل عليها أو حصل ثروته بالتجارة فى السلاح أو المخدرات أو السندات أو الأوراق المالية، أو من المشروعات الإنتاجية زراعية كانت أو صناعية؟ وغالبا ما يكون الرد شافيا، بل ومقنعا بحيث تستمر الغبطة والحسد والتمنى أن يصبح الإنسان مثله، هذ فى مجال الأعمال مشروعة أو غير مشروعة، فالمكسب الوفير فيها مهما بلغ تضخم ثروات رجال هذه الأعمال هو مكسب مبرر.
ونأتى إلى النموذج الذى تتضح صفاته هذه الأيام فى عدة بلاد حتى الآن فى مصر وتونس وليبيا، وربما يلحق بها اليمن وسوريا وهو نموذج (الحاكم الديناصور)، ووصف الحكام المنتمين إلى هذه الفئة بالديناصورات، لأنهم فاقوا ما حاز الحيتان من ثروات أضعافا مضاعفة، وهذا برغم أنهم جميعا لا يمتهنون مهنة أخرى سوى رئاسة دولهم، ولم يأت أحدهم من أسرة غنية أو حتى موسرة، وكونهم جميعا ليس لهم عمل إلا الرئاسة، فليس بوسع أى منهم أن يحصل فى حياته مثل هذه الأموال التى تخطت عدتها فى بعض الحالات الاثنى عشر صفرا على اليمين!!
فالرئيس المصرى السابق ولد فى قرية صغيرة من قرى محافظة المنوفية، وكان والده يعمل حاجبا فى محكمة بنها الابتدائية بمرتب أقل من خمسة جنيهات، فهو إذن لم يرث ما يذكر من أبيه، فما هى الطريقة التى قد يكون قد استخدمها فى الحصول على ثروة قدرتها بعض المصادر بسبعين مليار دولار؟
والرئيس التونسى السابق أيضا ولد فى مدينة حمام سوسة بتونس لعائلة متواضعة، وكان والده يعمل حارسا فى مرفأ مدينة سوسة، فهو أيضا لم يرث، وكرئيس للجمهورية التونسية لم يكن له مصدر رزق آخر مع الرئاسة، فمن أين حصل على ملياراته ومجوهراته التى كدس بها خزائنه؟ هل يمكن اعتبارها تحويشة العمر؟
والرئيس اليمنى الحالى (إن شاء الله يبقى سابق) ولد فى قرية بيت الأحمر بمحافظة صنعاء لأسرة شديدة الفقر، وعانى مشقة العيش فعمل راعيا للأغنام، والتحق بالجيش وهو فى السادسة عشرة، حيث كان الجيش مهربا من الفقر وسوء المعاملة، هذا الرئيس أيضا واضح أنه لم يرث إلا بضعة أغنام ، فمن أين جاء بأحد عشر مليار دولار، حسب تقرير مجلة فوربس عام 2010؟
أما الرئيس الليبى معمر القذافى فقد تضاربت الأقوال فى مولده ونشأته، وسمع الناس، ورددوا ما سمعوه عن أصله اليهودى من عائلة فقيرة، وقدرت بعض المصادر ثروته أنها تتعدى المائة مليار يورو!!
والرئيس السورى الحالى ورث عن أبيه الرئيس السورى السابق ثروة قدرتها مجلة فوربس بأربعين مليار دولار، وهذا برغم أن الرئيس الأب كان جده سليمان الوحش يسكن عند مدخل مدينة القرادحة أحد أفقر القرى السورية آنذاك، وكان معروفا أنه ليس من أهل القرية، وسميت أسرته (بيت الحسنة) لأن أهل القرادحة كانوا يتصدقون عليهم، إذ إنهم كانوا أفقر سكانها، ولا أرض لهم، فمن أين أتى سليل بيت الحسنة بملياراته الأربعين؟
كل هؤلاء الرؤساء وغيرهم، يشتركون فى قاسمين، أحدهما أدنى والآخر أعلى، القاسم المشترك الأدنى أنهم من أسر فقيرة وليس لهم من مصدر رزق إلا وظائفهم كرؤساء لدولهم، والقاسم المشترك الأعلى هو أن وحدة التعامل النقدى معهم ومع أسرهم الرقم ذو الأصفار التسعة أى المليار، وحسب الشعوب الله ونعم الوكيل !
أما من أين حصلوا على تلك الأموال وما هى الوسائل التى استخدموها لتكديسها بهذه الصورة والأرقام المخيفة، فأعتقد أنها وسائل أضحت فى شهر واحد معروفة للجميع، فمن العمولات إلى الاختلاسات إلى تجارة السلاح والأراضى وبيع البترول والغاز والسمسرة ونهب ثروات الشعوب ومقدراتها.
ومن الملاحظ أن كل هؤلاء وأتباعهم ممن سرقوا الشعوب يظنون أنهم أفلتوا بفعالهم، لكن الله من ورائهم محيط، ففى الدنيا لن تجد الآن فى بر مصر أو تونس أو اليمن أو ليبيا، من لا يسب من سرقه وسجنه وأهمله وعذبه وصب أمواله صبا لتملأ خزائنه.
أما فى الآخرة، فأول من يدخل النار الحاكم الظالم، فليس من ظلم أفدح من ظلم الحاكم لرعيته، وليس من غباء يعاقب عليه الحاكم أكبر من غباء الاعتقاد بأن الرئاسة تشريف لا تكليف، وأنها سبيل متعددة الروافد يغترف منها سارقا أموال شعبه ومستقبلهم، ناسيا أنه سيقف أمام خالقه ليسأله عن كل ما قترفت يداه، ويومها سيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون، والله من وراء القصد..
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة