د. رضا صالح يكتب: شمال شرقى البلاد

الإثنين، 21 مارس 2011 02:28 م
د. رضا صالح يكتب: شمال شرقى البلاد صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ كنت مندهشا وفخورا فى آن واحد؛ عندما سمعت اسم مدينتى يتردد فى الإذاعة البريطانية، ظلت النشرات الإخبارية التى تابعتها بشغف، تكرر اسم المدينة، وتصف مكانها؛ كنت أسمع كأننى أكتشف موقع مدينتى لأول مرة، أو كأننى أعرف وصفا جديدا لمدينتى، أين تقع السويس؟ عندما تنظر إلى خريطة مصر تعرف أنها بالقطع فى شمال شرقى البلاد، مدن القناة وسيناء كلها تفع شمال شرقى البلاد، ولكن عندما يخرج هذا الوصف من إذاعة لندن العريقة، ليبث إلى أصقاع الدنيا؛ عندما تخرج مدينتى من القمقم، كما يخرج المارد، عندما يسمع العالم أنين المريض وآهات الذبيح وبكاء المساكين يدوى فى أسماع العالم؛ هنا لابد أن نقف لنسمع ونرى!

من هنا بدأت شرارة جديدة لثورة الشباب، ثورة لم تتعود عليها مصر، لم نسمع عن ثورة منذ 52، منذ حوالى ستة عقود؛ فى هذه الثورة كان النصيب الأكبر من الشهداء من أبناء السويس؛ أولئك الذين ضحوا بأنفسهم وأرواحهم فى سبيل الوطن.
***
فى السويس اشتعلت الثورة لتحارب طواغيت العهد الماضى وأذنابه، تحلق المتظاهرون حول مواضع الألم، كانوا يتحسسون أماكن التقيحات والثآليل التى نبتت فى جسد المدينة وأرهقتها؛ يتحسسونها ليفقئوها، تجمهروا حول مبنى المحافظة، وأقسام الشرطة، وأمن الدولة وبعض الأماكن الحكومية الأخرى معبرين عن سخطهم من الهول والآلام التى يلاقونها فى حياتهم اليومية البسيطة، كل صبح ومساء من أجل رغيف خبز أو بحثا عن وظيفة، لم تكن الآلام تبارحنا فى ليل أو نهار.
***
الحمد لله، بعد الثورة أحسست كأنما أزيلت صخرة رابضة على قلبى، استطعت أن أنهض وأتنفس وأتكلم، وأن أشعر أن لكلامى معنى، وأن هناك من يستمع، وينتبه ويستجيب ويرد على كلامى، كانت تلك الصخرة جاثمة على أفعالى، كنت – مثل الآخرين –أتكلم على سبيل "طق الحنك" كما يقولون – ليس أكثر.
***
كان لابد أن يسقط النظام، ويسقط معه كهنته، تلك هى الحاشية الضالة المضلة، كهنة الطاغوت، حاملى مباخر الفرعون، اتخذوا من النهم والجشع والطمع آلهة لهم يقدسونها أينما ذهبوا؛ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه! استحلوا لأنفسهم - ولأنفسهم فقط - مقدرات الشعب، نهبوا أراضيه، وتحايلوا على أمواله، أفقرونا حتى جعلوا زعيمهم يقف مخاطبا شعبه: أجيب لكم منين؟

اعتقدنا بالفعل أننا فقراء، وأن الدولة مطحونة، لم نكن ندرى! ومنا المثقفون أيضا – لم نكن ندرى أنهم يحوزون قصورا فارهة، داخل البلاد وخارجها، ويتنعمون فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت! وكانت أموالنا تتسرب فى الخفاء إلى حساباتهم فى شتى أصقاع العالم.
***
الحمد لله؛ سقط هؤلاء الطواغيت، والبقية تأتى تباعا، لابد لنا أن نقيض بلهفة واهتمام على تلك اللحظات الثمينة التى تعيشها البلاد، حتى تستطيع الدولة أن تقف على قدميها، على أسس راسخة من العدالة والحرية والمساواة.

أشرق علينا نور ساطع، هذه هى الأيام المقدسة، أيام المخاض، فيها نتطلع، وكلنا أمل إلى مستقبل مشرق ملىء بالخير لمصرنا العزيزة، مستقبل يجد فيه أبناؤنا تعليما حقيقيا، فيه الأصالة والمعاصرة نظام يبث الروح الخلاقة فى نفوس أبنائنا، ونقضى فيه على نظام بائد، كان الطالب فيه يتقيأ المعلومات لمجرد الحصول على أعلى الدرجات، صاحب الحظوة والمتفوق فقط هو الذى ربما يفوز بوظيفة، فقد أوهمنا سادتنا لسنوات طوال أن الفرص ضعيفة، والاقتصاد مرهق، والبلد حالها نائم، وكل هذا كذب وخداع.

ليتأكد أولادنا أنهم لا يتعلمون فقط من أجل أكل ولا شرب ولا وظيفة، فقد ضمن الله الأرزاق، وإنما يتعلمون لأغراض أسمى من هذا.

إننا نتطلع إلى مستقبل يجد فيه كل شاب وظيفة حقيقية مقنعة، وليست بطالة مقنعة، ويجد فيه الفقير إعانة لفقره، ويجد فيه المريض مكانا مناسبا وعلاجا يليق بكرامة الإنسان؛ مستقبل يحصل فيه المبطل عن العمل إعانة لبطالته، حتى يجد عملا مناسبا له.
***
من الأخطاء الجسيمة أن تفرط الدولة فى أراضيها بهذه السهولة، قلبى يهيض عندما كنت أسمع كلمة "تخصيص"؛ فمن الذى خصص لمن؟ وبأى حق؟ يهيض قلبى عندما كنت أسمع عن مئات، بل وآلاف الأفدنة فرط فيها حكامنا ووزراؤنا بكل بساطة، لأغراض فى نفوسهم! أحزن أيضا حينما أسمع كلمة بالأمر المباشر؛ فى الدولة جهاز يسمى التخطيط العمرانى، أين هو؟ لابد أن نوقظ هذا الجهاز، وأن نسلمه خريطة مصر مرة ثانية، وأن نوصيه بالحفاظ على الأراضى والمقدرات، وأن يحافظ على الشواطئ وأن تكون ارتيادها للجميع، وأن يحافظ على الأراضى الباقية للأجيال القادمة، حتى يجد المصريون جميعا، وليس فئة بعينها، يجدوا أماكن يعيشون عليها، وهواء يتنفسونه، وشواطئ يرتادونها، وأن نعيد الشواطئ إلى حظيرة الدولة، أن تعيد الدولة النظر إلى المواطن العادى، وتهتم به، وتبقى له قرى سياحية كما للنخبة، وأن تشرف عليها وتحولها إلى أماكن للجميع، وليست لفئة بعينها.
***
لابد من الآن أن يكون هناك توصيف وظيفى ملزم لصلاحيات كل موظف فى الدولة، ابتداء من رئيس الجمهورية، مرورا بالوزراء ووكلاء الوزارات وانتهاء بالعامل البسيط، لابد أن يعلم الجميع، أن هذه الوظائف خدمية، هى تكليف وليست تشريف، لابد أن يعى ذلك كل من تقلد منصبا.
***
نتطلع أن تكون هناك مساواة فى الفرص أمام الشباب فى التوظيف فى القطاعات المختلفة، نتطلع أن تستكمل الهيئات القضائية بما ألقى عليها من مسئوليات جمة هذه الأيام، لتسترد لنا الأراضى والأموال من مصاصى الدماء والأفاقين الذين كانوا يرتعون ويتقلبون فى الأرض، نتطلع أن تعمل الدولة حسابا للأجيال القادمة، وأن تحافظ على الأراضى والمقدرات، ولا تبذرها هكذا هباء، لتكون فى أيدى حفنة قليلة، نكتفى بتوزيع فدان واحد اثنين لشباب الجمعيات الجادة التى تقوم بالاستصلاح الزراعى، لابد أن نسأل أنفسنا سؤالا بديهيا: كم سيكون عددنا بعد مائة أو مائتى عام؟ وماذا سيحتاجون؟ وماذا تركنا لهم من نظام لهذه الثروة من الأراضى وغيرها؛ لابد أن نسأل أنفسنا: ماذا أعددنا لمستقبل مصر بعد خمسين، أو بعد مائة، بل بعد مئات السنين من الآن.

أهلا بك 25 يناير لتسجل فى التاريخ نهاية لكابوس، وبداية عصر جديد، بنعم فيه الناس بانتهاء الرشوة والفساد والمحسوبية.
***





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة