اسمحوا لى أن أسرد عليكم مقتطفات من أحداث 15 ساعة داخل لجنة استفتاء، وأن أخلد ذكرى لحظات مختلفة عن ماضينا ومؤثرة للغاية عشتها فى أول استفتاء حقيقى فى مصر بالنسبة لى ولكثيرين.
واسمحوا لى أيضاً أن أذكر المشاكل التى واجهناها كى نحاول تفاديها فى الانتخابات الأصعب، سواء البرلمانية أو الرئاسية.
لقد أتيحت لى فرصة الإشراف على لجنة انتخابية تابعة لدائرة الطالبية بالهرم كفرد من أفراد المجتمع المدنى من خلال جمعية حقوقية، وهنا تأتى عظمة الثورة فى دمج المكاسب الشخصية الوطنية للمصريين "أول مرة أقول رأيى وكمان أشرف على نزاهة العملية الانتخابية.. الله".
لقد كانت الأعداد كبيرة مع وجود التزام بالنظام وبالتعليمات "بحب".. تعاون و"احترام" بين جميع الأطراف جيش، قضاء، داخلية، مراقبو المجتمع المدنى، مواطنين.
حينما وجهت مواطنة مصرية كلامها للقاضى رئيس اللجنة: ممكن أشوف كارنيه حضرتك؟ فرد سيادة المستشار: "حقك" بس كده اتفضلى.
حينما وقف مواطن مصرى فى وسط اللجنة ينظر فى وجوهنا وينظر لورقة الاستفتاء فى ذهول، ثم قال: أنا عندى 63 سنة أنا أول مرة أقول رأيى بجد، فحضنه مواطن آخر.
حينما صرخت مواطنة مصرية: الورق مش مختوم حرام عليكوا، فرد المستشار بهدوء شديد: اتفضلى يا فندم أنا هشرح لحضرتك الموقف.. حينما يتعازم مواطنون مصريون فى طابور مصرى.. حينما يدخل الجد والجدة والأب والأم والأولاد إلى لجنة انتخاب.. حينما يقول لى مواطن: هه أنا جيت أهوه اعمل إيه بقى وأقول إيه وكده.
حينما نبتسم فى وجه بعض بالرغم من طول الانتظار والتعب والحر والشمس.. حينما بكت مواطنة مصرية فى العقد الخامس من عمرها لعدم جواز الإدلاء بصوتها بصورة الرقم القومى.. حينما نتهافت على الإدلاء بآرائنا ونخاف على أصواتنا.. وحينما فرزت الورق بيدى.
بالطبع عدم وجود أختام بورق الاستفتاء أحدث بلبلة وتعطيل نسبى، حيث إن بعض المواطنين رفضوا أن يدلوا بأصواتهم دون ضمان كافٍ لعدم استبعادها عند الفرز لعدم وجود الختم، ولكن تفهم القضاه لطبيعة الموقف وحالة انعدام الثقة التى يعانى منها المواطنين أوجد التوازن المطلوب.
أمر آخر وجب التنويه إليه، المدرسة التى كنت أراقب فيها بها أكثر من 30 فصلاً تم تجهيز 5 منهم فقط للانتخابات، مما أدى إلى تكدس المواطنين خارج المدرسة وداخلها وحتى داخل اللجنة وأدى أيضاً إلى استمرار فتح اللجان حتى الثامنة والنصف مساء، وتشعر حين ترى مثل هذه المواقف التى يكون الحل فيها فى مستوى الطالب العادى أن أولى الأمر أياً كانوا يستسهلون تعذيب المواطن وتصعيب الأمر عليه.
وحدثت مناقشة بينى وبين قاضى أحد اللجان الفرعية حول تأخر ميعاد فتح اللجنة حتى التاسعة والنصف صباحاً، فقال لى إنه لم يأتِ فى الميعاد المحدد لفتح اللجنة، لأنه لم يبلغ بمكان اللجنة حتى مساء الجمعة ولم يجد - ومعه عدد كبير من القضاة - أسماؤهم فى الكشوف، وبالرغم من قرار وزير العدل بانتداب الأحد عشر ألفاً والخمسمائة قاضٍ جميعهم للإشراف على الانتخابات، إلا أنه لم يتم إخطار سوى 10% فقط منهم، وطرح وزير العدل حلاً سريعاً أن من لم يجد اسمه فى الكشوف يتوجه لأقرب محكمة له أو للمحكمة التى يعمل بها لتقوم المحكمة بإرساله لأقرب لجنة بها عجز، وأنه ذهب فى صباح الجمعة لانتدابه عضواً فى اللجنة العامة للإشراف على جميع لجان الدائرة، حتى تم إخطارهم بالعجز فى إحدى اللجان الفرعية لعدم حضور أى قاضٍ لها فجاء على الفور.
وأرجع القاضى سبب حدوث كل هذا إلى ما سماه بتصفية الحسابات بين قضاة مجلس الدولة والقضاة العاديين ومجاملتهم على حساب باقى القضاه فى توزيع الأماكن وانضباط الكشوف وإخطار المكلفين بالإشراف مسبقاً.
وانتقد أن يكون رئيس اللجنة القضائية العليا للإشراف على الاستفتاء هو النائب الأول لمجلس الدولة د.محمد عطية ليس لشخصه، ولكنه قال: كيف يجوز أن يتحكم ألفا قاضٍ، وهو عدد قضاة مجلس الدولة فى أحد عشر ألف قاضٍ وخمسمائة، وهو عددنا نحن القضاة.
وأوضح مدى تأثير ما حدث على سير العملية الانتخابية بسهولة، وأنه من الممكن أن تحدث كوارث بسبب غياب القضاء عن اللجان الانتخابية، وهو ما أوافقه فيه الرأى تماماً.
وأخيراً لقد وقعت فى غرام أجواء الانتخابات والاستفتاءات ولن يمنعنى شىء من تكرار تجربة الإشراف عليها مرة أخرى، تحيا مصر.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود ناجى
رايى
وصف رائع لليوم الديمقراطى