صناديق الثروة السيادية الخليجية، وما أدراك ما صناديق الثروة الخليجية؟ نحن لا نتحدث هنا عن ثروات الأثرياء العرب أو استثماراتهم، نحن نتحدث هنا عن الفوائض الحكومية الخليجية، التى تقدر ليس بالملايين أو المليارات، ولكنها تقدر بتريليونات الدولارات.
نعم.. بحسب بعض التقديرات "المتحفظة"، يصل إجمالى رؤوس الأموال الحكومية الخليجية التى يجرى استثمارها فى الخارج (وتحديداً فى دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة) بأكثر من تريليونى دولار، أى أكثر من ألفى مليار دولار، رقم صعب ومخيف؟ أوافقكم الرأى، ولكن نسأل المولى عز وجل أن يزيدهم من فضله وكرمه.
لنأخذ صندوق أبو ظبى للاستثمار، فرأسمال هذا الصندوق - وحده - يدور حول السبعمائة مليار دولار (700 مليار دولار)! وبحسب إحصاءات مؤسسة النقد العربى السعودى، تصل استثمارات المؤسسة فى الخارج إلى نحو 1,5 تريليون ريال! أما إذا تحدثنا عن صندوق الأجيال الكويتى، أو جهاز قطر للاستثمار، أو استثمارات حكومة دبى وأبو ظبى.. إلخ، فنحن نتحدث عن مئات المليارات التى تجوب العالم بحثاً عن فرص للاستثمار.
السؤال هنا، هل يمكن أن يتحرك جانب هزيل من تلك المليارات لدعم اقتصاد مصر فى هذه المرحلة الحرجة من خلال خطة مارشال خليجية لدعم اقتصاد مصر؟ ألا تستحق مصر من أشقائها العرب هذه الخطوة؟ نعلم جيداً بالمواقف السياسية المسبقة، التى عبر عنها بعض القادة العرب بشأن قيادات النظام السابق فى مصر، ونحن بدورنا نقدر حساسية تلك المواقف، وحق كل طرف فى تبنى الموقف الذى يراه، ولكن مصر الآن أمام وضع جديد، ومقبلة على عهد جديد تماماً، فهل يبادر الأشقاء العرب، خاصة الحكومات العربية لدعم الشقيقة الكبرى لتمكينها من تخطى هذه الفترة الحرجة؟
فلا أتصور تحرك تلك الاستثمارات أو الأموال نحو مصر بعد أن تكون مصر قد خرجت من هذه المرحلة واستقرت أوضاعها "فالصديق لا يظهر إلا وقت الضيق"، فكما ترون يتبارى البسطاء - وربما المحتاجين - فى مصر لجمع 100 جنيه مصرى، لدعم اقتصاد بلدهم أو لدعم البورصة، وبالتالى يقدمون رسالة واضحة على إصرارهم لدعم نهضة بلدهم.
ما أتصوره، هو أن القادة الخليجيين يدركون جيداً خطورة المرحلة التى تمر بها مصر، وما تحتاجه أرض الكنانة يشكل قدراً ضئيلاً، قياساً بتريليونات الدولارات التى تمتلكها صناديقهم، والتى تجوب العالم بحثاً عن فرص استثمارية، فى أسواق عالمية تعانى أزمات طاحنة منذ أزمة 2008م.
الأمر الآخر، هو أن تحرككم العاجل فى هذه المرحلة سيشكل نقطة فارقة فى مستقبل التعاون العربى البينى، لأننا ندرك بحق أن خارطة التعاون العربى المستقبلية ستشهد انطلاقة كبرى، لأنها ستُعبِر بحق وبفعالية عن إرادة الشعوب العربية، ولهذا أعتقد أن تحرككم الآن سيشكل ركيزة مهمة لتعاون عربى بناء.
فهل تمتلك القيادات الخليجية زمام المبادرة، وتعلن عن خطة مارشال لدعم مصر الكنانة؟ فمن المخجل أن تعلن بعض الدول الأوروبية عن برامج وخطط لدعم اقتصاد مصر فى وقت لم يحدث فيه أى تحرك عربى.
ومن جهة أخرى، أطمئنكم أيها القادة، بأن المستقبل الاستثمارى لمصر يحمل لكم من الخير الكثير وأنا أعنى ما أقول، فاستثماراتكم ستنشط وستعمل فى بيئة تنعم بالشفافية والرقابة والموضوعية، أضف إلى ما سبق أن الكثير من الأصول فى مصر الآن مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، كما أن الجنيه المصرى شهد انخفاضاً ملحوظاً فى قيمته، فمصر تواجه موقفاً يشبه إلى حد ما موقف دول شرق آسيا بعد الأزمة الآسيوية عام 1997، وفى تلك الأثناء تدافعت الاستثمارات إلى تلك الدول.
وبناءً عليه، لن أتحدث عما قدمته مصر على مدى تاريخها لأشقائها العرب، فهذا واجبها التاريخى ولم يكن تفضلاً منها، ولكنها عندما تواجه بأزمة كتلك التى تعيشها، يفترض أن ترى الأشقاء يتبارون فيما بينهم لدعمها، لأن قوتهم من قوتها والعكس صحيح، والله الموفق.
* وكيل كلية الحقوق – جامعة المنصورة
ومستشار اقتصادى – منظمة الأمم المتحدة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة