أصبح من النادر جداً حالياً أن تجد مربعاً سكنياً فى أى محافظة من محافظات مصر يخلو من عملية بناء وتعلية أدوار سكنية فى أكثر من عمارة بالمخالفة للقانون، استغلالاً لغياب الدور الرقابى من إدارات الأحياء بالمحافظات - قال يعنى هما كان ليهم دور قبل كده - وعملاً بمبدأ "اخطف واجرى" و"اللى ما يلحقش دلوقتى عمره ما هيلحق بعد كده"، وفى هذا الأمر ازدواجية هدامة تشعر كل من شارك فى الثورة بأن كل ما نادى به من يوم 25 يناير وحتى الآن يذهب تدريجياً أدراج الريح، وفى كلا الحالتين عزيزى صاحب العمارة لا يحق لك ما تفعل.
دعنا لا ننكر أننا فى مصر الآن منقسمون إلى فئتين، وهو تقسيم مرفوض لكنه للأسف موجود، فئة "مع الثورة" وفئة "ضد الثورة"، لو كنت عزيزى صاحب العمارة من مؤيدى الثورة من بداياتها فليس من المنطقى أن تقدم على فعل يندرج تحت بند الفساد الذى ناديت منذ أقل من شهرين مطالباً بزواله إلى غير رجعة، أما لو كنت من رافضى الثورة، فالطبيعى أن مبدأ رفضك للثورة كان نابعاً من حرصك على استقرار الأوضاع والخوف من الانفلات الأمنى والرغبة فى بقاء الحال على ما هو عليه، وهو ما يتناقض بالتبعية مع عملية زيادة أدوار عمارتك التى تقوم بها الآن على قدم وساق - على أساس أن الحال كان عاجبك - مستغلاً الانفلات الأمنى والرقابى الذى أبديت خوفك منه من قبل.
الكاتب الصحفى "جاك رينيه ايبر"، وهو من أهم الكتاب الصحفيين الفرنسيين فى القرن الثامن عشر كانت له جملة مهمة، حيث قال "عندما تطول فترة الاستبداد تترك آثاراً سلبية على شخصية الشعوب تحتاج ثورات أخرى لكى تزول أيضاً"، تذكرت هذه الجملة وأنا أفكر فى هذا الأمر، ووجدت أنها تنطبق علينا بحذافيرها، فوجود الفساد لمدة 30 عاماً جعل بعضاً من هذا الفساد يتسرب إلينا دون أن نشعر حتى أصبح الكثير منا يقدم على الفعل المخالف، وهو يعلم أنه مخالف، ولكنه دائماً يجد المبرر لعدم توصيفه بهذه الصفة.
لا شك أننا نحتاج إلى الكثير من الوقت حتى نستوعب جملة "للحرية دائماً ثمن" التى نرددها كثيراً دون أن نفهم المعنى الحقيقى لها والذى هو معنى أكثر شمولية لا يقتصر على بذل الدم والروح فى سبيل الحرية وهى بالمناسبة المرحلة الأصعب، بل يتسع ليشمل كل العادات والأساليب الخاطئة التى تعودنا عليها مع ضرورة أن يتوازى هذا مع تقديم المصلحة العامة على الخاصة وقتها فقط نستطيع أن نجزم بنجاح الثورة، وكما قال الله تعالى: (إنَّ اللهَ لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهِم) صدق الله العظيم "سورة الرعد 15" .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة