هؤلاء الذين يحاولون إقناعنا اليوم بأن الدكتور محمد البرادعى هو مفجر ثورة 25 يناير يتناسون فى استهبال شديد أن الرجل بشحمه ولحمه لم يكن موجودا فى أى بقعة داخل مصر أثناء الأيام الثلاثة الأولى للثورة، ولا يمكن أن يكون فجرها عن بعد باستخدام الريموت كنترول، فعلى حد علمى، أن هذه الخاصية لم يتم استحداثها بعد وحتى لو افترضنا أن البرادعى وهو فى الخارج حصل على ريموت كنترول حديث، وكبس على زر تفجير الثورات عن بعد فخرج الآلاف إلى الشوارع والميادين يوم 25 يناير، فلماذا إذن كلف نفسه عناء السفر وجاء إلى مصر عشية جمعة الغضب.
وبالمناسبة فإنى حضرت بنفسى أكثر من معركة من المعارك التى اشتعلت خلال الأيام الثلاثة الأولى للثورة، حيث لم يكن البرادعى قد رأى أن الأمر يستدعى العودة، وكانت السمة الغالبة على الثوار سواء فى بولاق أبو العلا أو فى السويس أنهم من الغالبية التى لا علاقة لها بعالم السياسة، ومع ذلك كانت لديهم روح من الإصرار والمثابرة، أشك فى وجود مثلها لدى كل المشتغلين فى السياسة بمصر، ومن ثم فإن محاولة تنصيب زعيم على هؤلاء تدخل فى إطار الاستعباط والسخافة السياسية.
مثل هذه السخافات التى انطلقت بقوة خلال الأيام الماضية بالتزامن مع انطلاق الحملة الانتخابية للبرادعى تسىء إلى الرجل فى المقام الأول، وتثير فى نفوس الشباب غضباً وسخطاً شديدين، وليس أدل على ذلك سوى ما حدث قبل أيام فى نقابة الصحفيين عندما "تمطع" أحدهم وقال إن البرادعى هو قائد ثورة 25 يناير، فثار الشباب فى القاعة وكان أحدهم لم تغادر أثار موقعة الجمل جسده، فصعد على المنصة، وأجبر هؤلاء "المتنطعين" على النزول ولم تستكمل الندوة إلا بعد اعتذارهم للشباب.
الغريب أن محاولات المحيطين بالبرادعى لاغتصاب زعامة الثورة ونسبها إلى مرشحهم الرئاسى تتناقض تماما مع ما كان الوضع عليه فى ميدان التحرير خلال أيام الثورة الـ18، فكلنا شاهدنا تلك الدمية التى وضعها الثوار للبرادعى فى منتصف الميدان، بل إنه عندما ذهب إلى التحرير لم يبق إلا لعدة دقائق وغادر سريعا بعد أن لمح نظرات الاستياء تحيط به، وخشى أن تتوجه هتافات الثوار ضده بدلا من حسنى مبارك.
كل هذا حدث والقائمين على حملة البرادعى يعلمون أنه حدث، لكنهم مصرون على أنه فجرها.. طب إزاى بالعافية يعنى؟.. قد يكون الرجل لعب دورا فى سياق حالة الحراك السياسى الذى عرفته مصر منذ نهاية 2004 وحتى الآن، لكن الإنصاف يقتضى الإشارة إلى أن آخرين أيضا لعبوا أدوارا أبرز منه ودفعوا ثمنا أبهظ أيمن نور مثلا زج به داخل السجن 5 سنوات فى قضية مفبركة، وحمدين صباحى فقد مقعده فى البرلمان وأسقط زورا وبهتانا، والمستشار هشام البسطاويسى أحيل للصلاحية، وكان مهددا بأن يفقد مصدر رزقه إلى الأبد عقابا على وقوفه فى وجه التزوير، وعلى الرغم من أن هؤلاء جميعا مرشحين لانتخابات الرئاسة لكن لم يتجرأ أحد فيهم على القول بأنه مفجر ثورة 25 يناير.
أخشى أن يتسبب إصرار أنصار البرادعى على تنصيب الرجل زعيما وإصرارهم على حكاية "التفجير" تلك فى "تفجير" موجة من اتهامات التخوين بين السياسيين فى مصر ليدعى كل سياسى أنه "المفجر" على طريقة البرادعى والذى سيكون قد تمكن وقتها فعلا من "تفجير" كل شىء فى مصر.