منذ أن اشتعلت الشرارة الأولى للثورات العربية بعد أن أشعل الشاب التونسى محمد بوعزيزى النار فى جسده وقد بدأت نيران الثورات تلتهم الأنظمة الحاكمة الطاغية نظاماً تلو الآخـر، والبداية كانت فى تونس حين فشلت محاولات الرئيس التونسى الهارب زين العابدين بن على فى أن يجد لنفسه سبيلاً للعيش فى وطنه، بعد أن ضاق به واشتعل الشارع التونسى مطالباً بسقوطه ومحاكمته، فلم يجد سوى السماء لتكون مهرباً له لعله يجد أرضاً أخرى تتقبله، لكن الأرض الأخرى رفضته عندما ذهب بطائرته إلى فرنسا، التى رفضت استقباله على أراضيها ولم يجد ملجأ يأويه سوء السعودية، فى تلك الأثناء كانت الأنظمة العربية الأخرى تردد على لسان مسئوليها إن السيناريو الذى حدث فى تونس لا يمكن أن يتكرر مرة أخرى فى بلدانهم، ولاسيما وزير الخارجية المصرى السابق، حيث صرح بهذا التصريح، وأكد أن النظام المصرى مستقر، لكن تأتى الثورات بما لا يشتهيه الزعماء ولاسيما الطغاة منهم، فلم تمر أيام حتى اندلعت الثورة فى مصر، ومصر لم تكن فى حاجة إلى بوعزيزى آخر ليحرق نفسه، وإن كانت هناك حالات فردية متفرقة أحرق أشخاصاً أنفسهم وهدد آخرون بفعل الشىء ذاته، لكن مصر كانت على شفا الانفجار من جراء الظلم والفقر والطغيان الذى أحدثه فيها حزب حاكم طاغى على كل شىء ومنفرد بكل أشكال السلطة والثروة يديره مجموعة من الفاسدين.
كان الفساد واضحا ومنتشرا فى كل مؤسسات الدولة، وكعادة النظام فى هذه الظروف قام بإنزال الآلاف من رجال السلطات الأمنية إلى الشوارع للتعدى على المتظاهرين مستخدمين كافة أشكال القمع والقهر، لكن إرادة المظلوم أقوى من هراوات الظالم، وسلمية المظاهرات أعنف وأشد من أسلحة وبلطجية النظام القمعى، ولعل البطء الشديد فى تعامل صاحب الضربة الجوية الأولى وطول غيابه عن الشارع من الأسباب التى رفعت الروح المعنوية للثوار، فعلى عكس طبيعة الطيار الذى لابد أن يكون سريعاً عند اتخاذ قراراته وسريع التصرف، كان حسنى مبارك بطيئاً للغاية، والأغرب أنه كان يقدم تنازلاته ببطء شديد، ولعل ذلك هو ما دفع الثوار إلى رفع سقف مطالبهم مع الوقت، ليصر الشارع على خلعه من منصبه وقد كان له ما أراد، تنحى عن منصبه وغادر العاصمة إلى منتجعه المفضل فى شرم الشيخ لينتظر هو وعائلته مصيرهم المجهول.
أيام قليلة أخرى تمر.. ليعود طاغية آخر ليس ببعيد عن مصر أو تونس معلناً أن بلده هادئة ولا يمكن أن يثور شعبه ضده، فإذا بشعب ليبيا يخرج منتفضاً وثائراً على ثورة القائد معمر القذافى الذى ظل يحكم ليبيا متخذاً من قيادته لثورة الفاتح زريعة لبقائه فى الحكم مدى حياته، لكن سيناريو القذافى يختلف عن نظيريه المصرى والتونسى، فملك ملوك أفريقيا لم يقل (فهمتكم) مثل بن على، ولم يقل (أعى مطالبكم) مثل مبارك، بل خرج على شعبه ليسُبّهم ويرسل عليهم وابلاً من الشتائم المتطايرة يمينا ويساراً، فوصف من خرجوا مطالبين بإسقاط نظامه بأنهم كلاب وجرذان، ويتعاطون حبوب الهلوسة وأنهم من تنظيم القاعدة وأنصار بن لادن والإرهاب، وكان ابنه الذى لا يحمل أى مسمى رسمى ليكمل مسلسل الشتائم ويضيف إلى الأوصاف القذرة أوصافاً أخرى مثل متعاطى مخدرات وغيرها، حتى أنه فى أحد اللقاءات قد تجاوزت شتائمه الشعب الليبى.. فقذف الدول العربية ببعضها وكان للأوروبية مثل فرنسا نصيب قبل أن يعلن استغناءه عن الجامعة العربية، كم هو سيئ حقاً أن تجد شعباً يُهان من حاكمه ويتم وصفه بمثل هذه الأوصاف لمجرد مطالبته بالحرية، لكن ما هو أسوأ أكثر أن يتم قذف هذا الشعب بالطائرات المقاتلة والقذائف المدفعية وبرصاص المليشيات والكتائب والمرتزقة، مع احتمالية استخدام أسلحة كيمياوية فى أى وقت، قد يكون سيناريو القذافى هو الأسوأ حتى الآن.
ثمة سيناريو آخر تدور أحداثه على أرض اليمن السعيد، والذى أصر زعيمه على عبد الله صالح أن يزيل تلك السعادة بتمسكه بسدة الحكم، وتعنته فى الإصلاح على مر سنوات طويلة مضت، بالمناسبة يعتبر اليمن هو الدولة الثالثة التى يدخل مشروع توريث الحكم فيها إلى مصير مجهول وذلك بعد أن فشل جمال مبارك أن يرث عرش مصر عن أبيه، واستمرار فشل القذافى فى الحفاظ على حكمه حتى هذه اللحظات، وبالتالى فمصير خلافة سيف الإسلام لأبيه هو أمر مجهول أيضًا، عموماً فى الغالب لن يكون الأبناء أكثر إصلاحاً من الآباء، خصوصا أنهم يرثون روح الفساد والطغيان من آبائهم كجزء من ميراثهم الكبير، وهو الأوطان والشعوب.
يبقى أن نذكر أن ثمة سيناريوهات أخرى ربما ستحدث فى المستقبل القريب فى دول أخرى، فلا أحد يدرى ماذا تخبئ الأيام القادمة فى جعبتها؟
أحمد الغـر يكتب: طغاة متشابهون.. وسيناريوهات مختلفة
الجمعة، 18 مارس 2011 10:41 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة