د.هشام عبد الغفار

كشف المستور فى تعديل الدستور

الخميس، 17 مارس 2011 07:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما يقول المؤيدون للتعديلات الأخيرة التى أجريت على دستور 71، إنها الطريق الوحيدة المتاحة أمام المصريين لنقل السلطة من المجلس العسكرى إلى مؤسسات منتخبة فى مدى زمنى لا يتجاوز ستة أشهر، فإنهم بذلك يتجاهلون الحقائق التالية:

1ـ إننا مادمنا نستطيع إجراء استفتاء للمصريين لاستطلاع رأيهم فى هذه التعديلات الدستورية، فلماذا لم نستفت المصريين فى أربعة مدنيين من الشخصيات العامة ترشح نفسها لعضوية مجلس رئاسى يدير البلاد فى المرحلة الانتقالية بحيث يرأس هذا المجلس شخصية عسكرية تمثل المجلس الأعلى للقوات المسلحة تكريماً لدوره فى حماية ثورة 25 يناير، ولماذا لم ينتخب المصريون أيضاً لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد بدلاً من إحياء دستور 71 الاستبدادى بالاستفتاء على تعديله.

2ـ إن التعديلات الدستورية الجديدة التى أجريت هى فى الأصل خطة الرئيس مبارك للالتفاف على ثورة 25 يناير، فلماذا نتبنى خطة معادية للثورة؟

3ـ إن الفريق شفيق رئيس الوزراء الأسبق أشار فى سياق حواره مع علاء الأسوانى وحمدى قنديل فى برنامج مصر بلدنا إلى أن استمرار ممدوح مرعى وزير العدل السابق فى منصبه ارتبط بدوره فى تعديل الدستور من خلال اتصاله ببعض أعضاء اللجنة التى قامت بالتعديلات الأخيرة المطروحة للاستفتاء، مما يثير الشكوك فى هذه التعديلات.

4ـ إن المفكر الكبير طارق البشرى رئيس لجنة تعديل الدستور ينتمى لتيار الإسلام السياسى، والأستاذ صبحى صالح القيادى البارز فى الإخوان المسلمين هو عضو اللجنة الوحيد الذى ينتمى إلى فصيل سياسى، مما يطرح تساؤلاً عن أسباب تجاهل حق جميع القوى والفصائل السياسية الأخرى فى أن يكون لها ممثلون لرؤيتها الفكرية فى عضوية لجنة تعديل الدستور، واحتكار الإخوان المسلمين وحدهم لهذا الحق.

5ـ إن الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء والذى أعلن عن أن الحوار الوطنى أهم مسئولياته لم يجرِ أى حوار مع القوى السياسية حول التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء، ولم نسمع حتى كتابة هذا المقال عن أى انتقاد لنصوص هذه التعديلات أخذ بعين الاعتبار مع استثناء الاستجابة لمحكمة النقض لإقرار اختصاصها فى الفصل بصحة العضوية لمجلس الشعب، مما يبين أن النصوص التى خرجت بها لجنة تعديل الدستور محصنة من أى نقد أو حوار، وكأنها جزء من كتاب مقدس، وكأن النية تتجه لفرضها كأمر واقع لا مهرب منه، كما هى بلا أى تبديل أو تعديل، وهى بالتأكيد ليست منزلة من السماء كأمر إلهى.

6ـ إن محاولة إقناع المصريين باستحالة انتخاب مجلس رئاسى من أربعة مدنيين مع شخصية عسكرية يدير المرحلة الانتقالية بما يضفى الطابع المدنى على نظام الحكم، وتخويفهم فى الوقت نفسه من استمرار المجلس العسكرى فى الحكم أكثر من ستة أشهر، باعتباره مغرياً بالبقاء فى الحكم، يصور لنا أنه لا مفر من إجراء انتخابات مجلس الشعب فى غضون ثلاثة أشهر بحد أقصى حتى يكون أعضاء مجلس الشعب المنتخبون قيداً على السلطات المطلقة للرئيس القادم المنصوص عليها فى دستور 71 والتى لم تقم لجنة تعديل الدستور بأى انتقاص أو تقييد لها باعتبار أنها ليست مكلفة بذلك، مما يوحى للمصريين بأن لجنة تعديل الدستور لم تقيد سلطات رئيس الجمهورية حتى تفرض علينا إجراء انتخابات مجلس الشعب قبل انتخابات رئيس الجمهورية.

7ـ إن إجراء انتخابات مجلس الشعب فى غضون فترة قصيرة وفقاً لهذه التعديلات مكافأة ثمينة أو جائزة كبرى لقوى الثورة المضادة من فلول الحزب الوطنى الذين أشعلوا الفتنة الطائفية وأسهموا فى تأجيج الاحتجاجات الفئوية لضرب استقرار مصر، حيث سيرشحون أنفسهم كمستقلين فى هذه الانتخابات التى ستتم على أساس فردى، وسينجحون بالتأكيد اعتماداً على سلاح المال المتوافر لرجال الأعمال المنتمين للحزب الوطنى، واستناداً على كل القيادات المنتمية للحزب الوطنى التى مازالت تدير الجهاز الإدارى للدولة والتى جاءت إلى مواقعها بالتعيين أو التدخل المشبوه فى الانتخابات من خلال صناع القرار فى الحزب الوطنى، ولاسيما عمد القرى فى الريف المصرى الذين استمروا بالتعيين فى مواقعهم لسنوات طويلة، بالإضافة إلى استخدام عشرات الآلاف من البلطجية تشير وثائق أمن الدولة التى ظهرت أخيراً إلى أنهم يعملون لصالح أعضاء الحزب الوطنى فى الانتخابات بالتعاون مع ضباط أمن الدولة، وفى إطار هروب عدد كبير من المساجين وسرقة أسلحة جهاز الشرطة فى فترة الانفلات الأمنى من المتوقع أن يزيد دور البلطجية لصالح فلول الحزب الوطنى فى انتخابات مجلس الشعب المبكرة القادمة وفقاً للتعديلات الدستورية، والرصاص الذى أطلق بكثافة فى منشية ناصر ودماء ضحاياه أكبر دليل على ذلك.

8ـ إن انتخابات مجلس الشعب فى عام 2005 جاءت بمعارضة يهيمن عليها الإخوان المسلمين لم تنجح فى تقييد سلطات الرئيس مبارك لأنها لا تمتلك الغالبية، وإذا كان الإخوان المسلمون قد تعهدوا بأنهم سينافسون على عضوية 35٪ من دوائر مجلس الشعب بما يعنى أنهم سيعجزون أيضاً مستقبلاً عن تقييد سلطات الرئيس القادم إذاً حصل المرشحون المستقلون الذين يمثلون الصف الثانى أو الثالث من الحزب الوطنى على الغالبية وغيروا اسم حزبهم وأعادوا إنتاج سياساته التى ثار المصريون عليها، وهناك مخاطر شديدة على مصير الدستور الجديد من غالبية أعضاء مجلس الشعب القادم ولاسيما أنهم سيهيمنون على تشكيل أعضاء لجنة صياغة الدستور الدائم الجديد لمصر وفقاً لهذه التعديلات الدستورية.

9ـ إن التعديلات الدستورية الجديدة ستؤدى إلى استقرار لا يمكن الحفاظ عليه طويلاً، إذ سرعان ما ستعود الاضطرابات إلى مصر عندما يتبين الذين قاموا بثورة يناير أنهم همشوا سياسياً لصالح فلول الحزب الوطنى والإخوان المسلمين، وكأن كل ما فقدناه من شهداء وجرحى وخسائر اقتصادية لا يساوى أكثر من إعادة إنتاج مشهد سياسى أفضل قليلاً من المشهد السياسى المصرى فى أعقاب انتخابات مجلس الشعب عام 2005.

ولا يمكن القول إن البديل هو الفوضى، لأنه يمكن إصدار إعلان دستورى مؤقت يحكم المرحلة الانتقالية بدلاً من محاولة إحياء دستور 71 الاستبدادى، وفى ظل هذا الإعلان الدستورى الذى يقيد سلطات الرئيس القادم أسوة بكل النظم الديمقراطية تجرى انتخابات الرئاسة فقط خلال فترة الستة أشهر التى حددها المجلس العسكرى.

ويقوم الرئيس الجديد بعد انتخابه بإدارة فترة انتقالية جديدة يتم خلالها تشكيل جمعية تأسيسية لإعداد الدستور الدائم، وبعد سنة تجرى الانتخابات التشريعية، وذلك فى حالة رفض إنشاء مجلس رئاسى كبديل متاح.

10ـ إثارة فزاعة الاختلاف الطائفى حول المادة الثانية من دستور 71 لقبول التعديلات الدستورية الجديدة على اعتبار أن السيئ أفضل من الأسوأ هو محض مغالطة فاضحة، لأن هذا الاختلاف سيثار دائماً عند وضع أى دستور لمصر، وحتمية مواجهته بالأسلوب الديمقراطى من خلال صندوق الانتخاب عاجلاً أو آجلاً هو أمر يتفق عليه كل العقلاء، وتأجيل المواجهة لن يؤدى إلى الاستقرار بل إلى تأجيل المشكلة وتداعياتها لا أكثر.

وإذا اتفقت غالبية المصريين على تأجيل مناقشة المادة الثانية من دستور 71 حتى يتحقق الاستقرار فى مصر بحيث نبدأ بمواجهة الملفات التى اتفقنا عليها أولاً، ونؤجل مواجهة الملفات التى نختلف حولها إلى مرحلة لاحقة، فما الفرق بين تأجيل مناقشة هذه المادة من خلال الموافقة على التعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء أو تأجيلها من خلال إعلان دستورى مؤقت يحتفظ بهذه المادة حتى يتم مواجهة ملف هذه المادة عند وضع الدستور الدائم لمصر بعد تحقيق استقرار الوطن!!

11ـ إن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مرتين وفقاً لهذه التعديلات إذا شاء الرئيس القادم تغيير دستور 71 بدستور جديد، الأولى قبل إنشاء الدستور الجديد، والثانية بعد إنشائه لا يؤدى بالتأكيد إلى الاستقرار، بل إلى إرهاق البلاد سياسيًا واقتصادياً، بالإضافة إلى أن الإبقاء على مجلس الشورى وفقاً لهذه التعديلات الدستورية يضيف عبئاً سياسياً واقتصادياً على مجتمع محدود الموارد بلا أدنى مبرر.

والسؤال الجوهرى الآن: لماذا الإصرار على إجراء الاستفتاء على تعديل الدستور فى 19 مارس، ورفض أى تأجيل لهذا الموعد يسمح بأى تعديل للنصوص التى اقترحتها لجنة تعديل الدستور ويراعى أننا لم نأخذ كمصريين وقتاً كافياً لمناقشتها، حيث انشغلنا بالاضطرابات الأمنية والفئوية والطائفية؟!

* نائب رئيس قسم الإعلام كلية الآداب جامعة حلوان





مشاركة




التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

زهرة الاندلس

اتخنقت

عدد الردود 0

بواسطة:

مواطنة مصرية

كفاية

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة