أسوأ شعور يمكن أن يشعر به زملكاوى هو أن يجد نفسه "مزنوقاً" فى مدرجات الأهلوية خلال مباراة لكرة القدم.. هذا الشعور يتملكنى بشدة عندما أجد نفسى فى مدرجات واحدة مع الإخوان المسلمين فى الحشد الذى يقول نعم للتعديلات الدستورية.. أتلفت إلى يمينى فأجد الدكتور عصام العريان وأتلفت إلى يسارى فأجد عبود الزمر.
أنظر إلى الجهة الأخرى.. الحشد الذى يقول "لا" فأجد كثيراً من الحركات والتيارات السياسية التى أقدرها، بل وأنتمى فكرياً إليها.. أتفهم دوافعهم وأحترمها ولكننى أجد قناعاتى وتقييمى الشخصى لهذه التعديلات تدفعنى إلى أن أقول نعم.
كزملكاوى.. لى بالطبع كثير من الأصدقاء الأهلوية أختلف معهم ولكننى بالطبع أحترمهم.. وكليبرالى لى بالطبع الكثير من الأصدقاء "الإخوان" أحترمهم بشكل شخصى، ولكننى أختلف معهم فى معظم شئون الدين والدنيا.. ولكننى أعتقد أنه من التسطيح المخل أن يتم تقسيم الناس طبقاً لموقفهم من التعديلات الدستورية إلى موافقين مثل الإخوان المسلمين والسلفيين وفلول الحزب الوطنى ومعترضين يمثلون كل التيارات السياسية الباقية.. فالحقيقة أن كثيراً من الأصدقاء المنتمين لهذه التيارات يشاركوننى الرغبة فى التصويت بنعم فى محاولة لتقليل فترة المرحلة الانتقالية التى نسبح فيها فى حالة من الميوعة السياسية والحكم العسكرى ومحاولة حسم السؤال الضبابى الأهم هل بيضة الدستور يجب أن تسبق فرخة الانتخابات أم العكس.
وجودى ووجود غيرى فى مدرجات المصوتين بنعم هو جزء من لعبة الديمقراطية وحرية الاختيار.. ليس معنى أننى سأنتخب البرادعى (كمثال) فى الانتخابات الرئاسية القادمة أن أوافق بالضرورة على كل ما يقوله ويراه.. فمن الطبيعى أن أختلف معه فى بعض الأشياء.. ويكون الحكم فى أى رأى أعتنقه وأنفذه هو قناعاتى الشخصية بغض النظر عن (خرائط الطريق) التى تتبناها القوى السياسية المختلفة والتى تتهرب من صندوق الانتخابات الآن وتقدم رؤى مختلفة حول تغيير الدستور بالكامل وضرورة تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سنة أو سنتين، حتى لو أدى ذلك إلى استمرار الحكم العسكرى بحجة أن إقامتها فى الوقت الحالى تجعل نتيجتها محسومة للإخوان وفلول الحزب الوطنى.. وهو رأى فى تقديرى متهافت وضعيف، لأن الانتخابات القادمة ستشهد دخول كتلة تصويتية ضخمة قدرها أكثر من 25 مليون صوت لم يذهبوا للجنة انتخابية فى حياتهم ومن المستحيل أن يذهبوا جميعاً للتصويت للإخوان أو فلول الحزب الوطنى.. لسبب بسيط وهو أنهم لو كانوا منتمين لهذين الكيانين السياسيين لكانت نسب التصويت فى العمليات الانتخابية السابقة ستتجاوز الـ5% الهزيلة التى كان الحزب الوطنى يتدخل لرفعها بالتزوير إلى 25 أو 30%.
أتفهم لماذا تحاول الأحزاب المعارضة التقليدية (والتى تدرك جيداً ضعف وجودها فى الشارع) أن تتهرب من صناديق الانتخاب الآن وترفض الاحتكام له فى ظل الإشراف القضائى الكامل.. رغم أنها كانت منذ شهور قليلة تخرق صف القوى المعارضة المنادية بمقاطعة الانتخابات وتوافق على الاحتكام لصندوق الانتخاب بضمانات هزيلة ومضحكة قدمها الرئيس السابق، فتمنحه مصداقية شكلية ومعارضة كرتونية.. ولكننى لا أتفهم كيف يخشى شباب الثورة الذين نجحوا فى حشد الملايين فى ميادين محافظات مصر كلها أن تخذلهم صناديق الانتخابات وتسرقها الفزاعات الوهمية لفلول الحزب الوطنى أو جماعة الإخوان المسلمين.
كزملكاوى لن أجد غضاضة فى أن أشجع اللعبة الحلوة حتى لو جاءت من لاعبى الأهلى، فثورة 25 يناير أنهت كل مشاعر التعصب التى زرعها فينا النظام السابق.. وكليبرالى لن أدع تأييدى للبرادعى أو محبتى لحمدين أو تقديرى للبسطويسى تدفعنى إلى تبنى مواقفهم إذا رأيت أنها خاطئة.. فهذا هو الدرس الأول الذى يجب أن نطبقه فى لعبة الديمقراطية حتى لا نتحول جميعاً إلى إخوان مسلمين تقوم حياتهم السياسية على مبدأ السمع والطاعة.