هل يقبل المصريون بالتعديلات الدستورية الجديدة، والتى سوف تطرح على الشعب للاستفتاء العام يوم السبت القادم، ربما يكون هناك من يرحب بهذه التعديلات والبعض يرى أن هذه التعديلات غير كافية بالمرة، ولا يجب أن يوافق عليها الشعب، على اعتبار أن هذه التعديلات سوف تكون بمثابة إعادة الروح إلى الدستور الملغى من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى انتهى العمل به مع سقوط الرئيس السابق، وذلك عقب الثورة التى أطاحت به فى الحادى عشر من فبراير الماضى.
والملاحظ أن التعديل الذى أدخل على الدستور المصرى والتى أعلن عنها مؤخرا من قبل اللجنة المشكلة برئاسة المستشار طارق البشرى وفى حالة الموافقة عليها من غالبية المواطنين فى استفتاء عام يوم السبت القادم، سوف يضع الأساس للعودة إلى العمل بدستور عام 1971، وهذا مرفوض شكلا وموضوعا من قبل أبناء الشعب المصرى.
ودعونا نتكلم بكل هدوء وصراحة وبمنتهى الشفافية، من هو المؤهل حاليا لخوض انتخابات تشريعية برلمانية فى حالة الموافقة على التعديلات الدستورية فى استفتاء السبت القادم، أن الساحة خالية تمام من القوى السياسة المؤهلة لخوض انتخابات تشريعية للبرلمان القادم، وذلك نظر لأن معظم الأحزاب المصرية هى أحزاب ورقية لا تسمن وتغنى من جوع، لقد تم تهميش دور هذه الأحزاب طوال ثلاثين عاماً من الحكم الفاسد، ولم يعد لها وجود حقيقى فى الشارع اليوم، كذلك فإن شباب الثورة والفكر الذى تبلور عن ثورة الخامس والعشرين من يناير يحتاج إلى بعض الوقت لكى يبلور رؤى سياسة وبرنامج عمل خلال الفترة المقبلة.
والسؤال الذى يطرح نفسه، من المؤهل حاليا لخوض الانتخابات التشريعية فى حال إقرار التعديلات الدستورية، وبمنتهى الشفافية؟ فإن جماعة الإخوان المسلمين هى المؤهل الأوحد القادر على خوض انتخابات تشريعية فى الوقت الرهن، "ومع كل التقدير لجماعة الإخوان المسلمين"، وذلك نظرا لأن جماعة الإخوان المسلمين هى الجماعة الأكبر والأكثر تنظيما والوحيدة التى تستطيع أن تخوض انتخابات تشريعية شفافة ونزيهة وتحرز فيها نسبة كبيرة ومعقولة من عضوية البرلمان الجديد، وذلك بما تتمتع به من قواعد فى المجتمع المصرى، وتلك حقيقة لا يختلف عليها اثنان، والشاهد على ذلك ما حث من تزوير فى الانتخابات التشريعية التى جرت منذ أشهر قليلة، وما تعرض له المرشحون من جماعة الإخوان المسلمين من اضطهاد وتزوير ومنع لهم من دخول اللجان الانتخابية، وذلك خوفا من إحراز الإخوان نسبة كبيرة من مقاعد المجلس.
ولكن جماعة الإخوان المسلمين ليست هى المجتمع المصرى كله، وحقيقية حجم الإخوان المسلمين فى غالب الأمر ليست واضحة، ومن ثم فلابد من إتاحة الفرصة لشباب الخامس والعشرين ولكل أطياف الشعب المصرى من المشاركة السياسة فى الحياة السياسة القادمة، بالإضافة إلى ذلك فإن من مصلحة الإخوان المسلمين أن يكون البرلمان القادم معبرا عن كل أبناء الوطن، وكل التيارات الفكرية الموجودة فيه، وبالتالى فإن المجتمع المصرى يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تلتقط الأمة أنفاسها والوقوف على حجم القوى السياسية فى المجتمع بكل شفافية.
وما الداعى إلى العجلة وتمرير تلك التعديلات إلى تقود إلى انتخابات برلمانية هى فى الغالب لن تكون معبرة عن الشعب المصرى بكل طوائفه وأركانه، والغريب فى الأمر أن نجد أن الحزب الوطنى يرحب بالتعديلات الدستورية، وهذا هو المفزع فى حقيقية الأمر، وهذا يدعو إلى القلق والخوف، فبأى مصداقية وبأى صفة يتحدث بها الحزب الوطنى عن ترحيبه بهذه التعديلات، هذا الحزب الذى استقال معظم قياداته وأحرقت معظم مقاره فى كثير من المدن، الأولى بهذا الحزب أن يتم حله من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويتم تسليم مقار هذا الحزب إلى الدولة، أو يحل هو نفسه ويقدم اعتذاراً للشعب المصرى عما اقترفه من أفعال طول ثلاثين عاما.
الكل يتفهم وجهة نظر الإخوان فى قبول التعديلات الدستورية، فبكل بساطة الإخوان جاهزون لخوض الانتخابات التشريعية الآن وليس غدا، فى حال إقرار تلك التعديلات، وهذا مفهوم بما لديهم من جماهير، ولكن الغريب جدا موقف هذا الحزب الذى أراد الشعب إسقاطه والقضاء عليه أن يرحب بالتعديلات الدستورية وهذا الترحيب يبعث على الشك والريبة معا، والخوف على الثورة من أن يتم الانقضاض عليها.
إن الثورة خلقت واقعا جديدا، فلمَ العجلة والتسرع فى إقرار تعديلات غير كافيه ولا تلبى الحد الأدنى من مطالب المصريين، نحن نريد دولة ديمقراطية نريد دستورا جديدا يوافق عليه الشعب من قبل جمعية أو هيئة تأسيسية لصياغة هذا الدستور، وأن تكون هذه الهيئة عليها إجماع وطنى من كافة أبناء الشعب نذهب بعدها إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، نحن نبحث عن دستور جديد وليس مجرد تعديلات، والغريب من الأمر أن هناك تسرعا فى التحرك نحو انتخابات تشريعية بهذه السرعة، إن مصلحة الوطن تقتضى أن نخرج بدستور جديد يعبر بمصر إلى مزيد من الحرية والديمقراطية والشفافية، لا نريد انتخابات برلمانية فى هذا الوقت بالذات بل نريد تأسيسا لدستور جديد.
نحن فى حاجة ماسة لإنجاز دستور جديد لمصر والموافقة عليه واكتسابه حقا مشروعا للأمة، بدلا من أن نعلق كل مكاسبنا على بعض التعديلات، ومن ثم يجب أن نجمد كل أوضاعنا الدستورية المختلة، لحين الوصول إلى توافق على دستور جديد بالكامل، وهناك من يتكلم عن المخاطر التى يمكن أن تتهدد مصر فى ظل هذا الفراغ السياسى والدستورى، وأقول لهؤلاء إن مصلحة مصر ومستقبلها هو فى حقيقة الأمر مرهون بتلك اللحظة التى نحن فيها الآن، وبالتالى لابد من التريث حتى نصل إلى بالبلاد إلى وضع مستقر حقيقى، بحيث يكون هناك توافق وطنى من كل قوى المجتمع على هذا الدستور الجديد، وبالتالى يحظى بالإجماع الوطنى بما يحقق كل آمال المجتمع وطموحاته.
نحن نريد تمثيلا حقيقيا لكل قوى المجتمع وكل التيارات الفكرية، وأن تتاح الفرصة للجميع لينزل إلى الميدان وإلى الشارع ويعبر عن فكره وأيدلوجياته وأن يكون الحكم هو الشعب، وهو الذى يحدد من الذى يقبل به من كل هذه التيارات الفكرية التى يموج بها الشارع, وأن يتمتع الجميع بفرص متساوية فى أن يطرح نفسه على المجتمع من خلال وجهة نظره لحل المشاكل التى تواجه الأمة من مياه النيل، والبطالة، والأجور، والعدالة الاجتماعية، والمشكلة الاقتصادية المستفحلة، والرؤى السياسة لدور مصر على الساحة العالمية والإقليمية، وكيفية مواجهة تحديات الأمن القومى المصرى، وعلاقتنا بالولايات المتحدة والغرب، والدور الإقليمى لمصر فى القارة الأفريقية والأمة العربية والإسلامية.
لسنا فى حاجة إلى تعديلات دستورية وإنما نحن فى حاجة إلى دستور جديد وبحق، دستور يرفع عن كاهل المواطن المصرى كل تلك الأعباء والضغوط التى يعانى منها الشعب بكل طوائفه، وبكل فئاته، ألا يستحق هذا الشعب العظيم ومع كل ما قدم من تضحيات خلال كل هذا السنوات أن يحظى بدستور جديد لمرحلة جديدة......؟
د.هشام منصور يكتب: لسنا فى حاجة إلى تعديلات وإنما إلى دستور جديد
الخميس، 17 مارس 2011 11:22 م
لجنة انتخابية - صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة