كلما فكرت فى مواصفات رئيس مصر القادم كما أتمناه، لا أستطيع أن أمنع نفسى من التفكير فى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أمير المؤمنين ورئيسهم فى فترة من أحلك فترات الدولة الإسلامية حين كانت تخطو خطواتها الأولى على دنيا الأرض يحدوها وحى السماء، ولا أفتأ أذكر وأردد قوله الدستور: ( لو عثرت بغلة فى أرض العراق لسئل عنها عمر يوم القيامة لما لم أمهد لها الطريق)، وقد وصفت هذا القول بالدستور لأنه يلخص علاقة الحاكم بالمحكوم ويبين بجلاء مدى خوف عمر أحد المبشرين بالجنة من حساب الله له يوم القيامة إن عثرت دابة فى أرض كان هو حاكم أهلها!! وعمر الخليفة كان يتجول بين الرعية ويعس ليلا بين البيوت والناس نيام يحاول أن يتلقف طرف خيط يقوده إلى حل مشكلة تواجه واحدا من رعيته، وهذا هو بعينه معنى تحمل المسئولية عن الرعية المحكومين فى أرقى صوره.
وكلما اقترب موعد إجراء انتخابات الرئاسة فى مصر كلما ازداد تزاحم الأفكار فى رأسى؛ فماذا نتمنى أن تكون عليه مواصفات الرئيس القادم؟
أتمنى أن يكون الرئيس القادم شخصا متفتحا يقبل الرأى الآخر ويناقشه ولا يبطش بصاحبه إن خالفه، أتمناه سمحا واسع الصدر حليما، يتقبل النقد كأبى بكر رضى الله عنه حين قال لأهل المدينة بعد توليه الخلافة: ( وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينونى وإن أخطأت فقومونى).
نريده متفاعلا مع الناس متلاحما معهم، شاعرا بمعاناتهم مدركا لهمومهم، يمشى بينهم بلا خوف دون موكب تعطل من أجل مروره مصالح الناس وتضيع أوقاتهم، نريده حكما عدلا بين سلطات الدولة ومؤسساتها، نريده حكما عدلا بين الناس فترد على يده المظالم، ويعيش الناس تحت حكمه فى سماحة وأمان، نريده أن يضع مصالح الناس فوق كل اعتبار لا يحول بينه وبين الحرص عليها حائل، ولا يعطله عن تحقيقها ربح دنيوى زائل، نريده رئيسا عفيفا لا تمتد يده إلى أموال الناس وأقواتهم، نريده رئيسا قدوة؛ فالحاكم الصالح تصلح بطانته ويسير أتباعه على خطاه وينصلح بصلاحه وصلاحهم حال الناس، نريده أن يكون مستوعبا لحقيقة أنه بشر مثلهم يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون ويمشى فى الأسواق كما يمشون، ويعانى كما يعانون، ويفعل كل شىء كما يفعلون ويرتاد دورة المياه كما يرتادون، فهو لا يتفوق عليهم لا فى مواهب أو ملكات تميزه عنهم، إنما كانت رئاسته لهم تكليفا لخدمتهم وسهرا على راحتهم وتفكيرا فى مصالحهم وخير حياتهم، وليكن دوما متذكرا أن مكانه كإمام عادل يوم القيامة، فى مقدمة السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.
أما ما نتمنى ألا يكون فيه من صفات فهى كثيرة، أهمها ألا يكون له ولد يطمع أن يكون الشعب ضمن ميراثه منه، ونريد منه ألا يكون عنيدا لا يسمع إلا صوت نفسه ولا ينصت إلا لها، نريده ألا يكون أنانيا متغطرسا، ونكره أن يكون متكبرا على الرعية فيتحدث إليهم من عليائه فى برجه العاجى، فيصبح خطابه دوما تاريخيا حكيما رغم أنه أبعد ما يكون بالاعتبار بالتاريخ، وشتان بينه وبين الحكمة، لا نريده أن يوظف قراراته فى السياسة لتتضخم أرصدته وتمتلئ خزائنه بالمال الحرام، لا نريده أن يستمد سلطاته من حكومات وأقطاب العالم، بل يستمدها من الشعب الذى انتخبه رئيسا، لا نريده أن يلتصق بكرسى الحكم فيستعصى على الخلع من فوقه، وكأنه قد خُولت له سلطاته من الله فيحكمنا باسم السماء، ويدفن أحلامنا تحت الأرض، لا نريده أن ينسى أن هناك يوما للحساب سيقف فيه عاريا من كل ما قد يستره ليس بينه وبين مصيره إلا عمله، ولا نريده أن يتناسى أن يديه ورجليه ولسانه وجلده كلها ستشهد يوم القيامة بما فعل وعقد وقال وقرر وفكر ونفذ وحكم.
ربما تكون هذه الأمنيات والتمنيات من قبيل الأحلام، ولكن ما المانع أن نحلم؟ ربما صادفت أحلامنا ودعواتنا سماءً مفتوحة فيستجيب الله لنا، فنحن قد فعلنا كما أمرنا ربنا فغيرنا ما بأنفسنا فحق لنا وعد الله أن يغير ما بنا، والله من وراء القصد.
قصر الرئاسة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة