د.شريف عمر يكتب: فساد الشعب

الإثنين، 14 مارس 2011 02:49 م
د.شريف عمر يكتب: فساد الشعب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من يرى الأحداث الجارية فى البلاد تلك الأيام.. ينتابه شعور مخيف بأن بصيص الأمل فى التغيير للأفضل إلى زوال، أو أن هناك بركانا فى مكان ما على وشك الانفجار ليلتهم كل من حوله، ربما تتخبط مشاعرى وأنا أكتب هذه السطور بين الخوف من مستقبل مجهول، وبين أمل بصيص نوره أخاف أن تغطيه غيوم التخلف ورواسب نظام بائد.

منذ فترة، كنا نظن أن الفساد الذى تفشى فى مصر هو فساد شخصيات ورموز، ولكن على ما يبدو أن الفساد تجرعه الشعب السنين الفائتة حتى أصبح الشعب رمزا من رموز الفساد، إن ثورة الأحرار قد خلصتنا من رؤوس الفساد ولكن ظلت الجذور والسيقان لم تقتلع، تلك الجذور التى إن ظلت متروكة ستنبت من جديد أشجار شوك يرويها ما يفعله فلول النظام من فوضى وتخريب.

لن أنافق الشعب بعد اليوم، فإذا كنا نافقنا نظاماً حتى أصبح فرعوناً، فإن الشعب بأكمله إن ظللنا نعمم محاسنه ونتغنى به طويلا سيتحول إلى ملايين الفراعين، فهاهو الشعب الذى أجبره النظام على تجرع الفساد، حبسه فى الظلام سنين طويلة حتى نسى النور، وحينما فتحت له أبواب الحرية، جهل كيف يتعامل مع تلك الحرية، فهو لم يعتد عليها فأصبح يفعل كل ما كان ممنوعاً عليه سواء أكان جميلا أم قبيحاً، وأصبح ينساق وراء غيره ظنا منه أنه يدرك أكثر منه معانى الحرية.

استيقظ الشعب من سباته، فخرج فى مظاهرات فئوية لا تبالى بالصالح العام، فهذا يريد وظيفة وذاك يريد زيادة فى راتبه متناسيا أن الوطن ما زال مريضا لم يتعاف، وأن الانتكاسة واردة طالما الداء مازال بلا دواء وفقد الناس الحس الوطنى فأصبحت مصر تختزل فى مصلحة حكومية أو بنك أو مستشفى، وأصبحت معالم التغيير تختصر فى تلوين الأرصفة وتنظيف الشوارع.

وقوبلت تلك المطالب بعلاج هزيل من البعض، كأب بلا شخصية وبلا حزم، ينفذ طلبات ولده فيزداد ابنه دلالا وتكثر مطالبه، وتهتز بعدها صورة الأب وتتضاءل هيبته، وربما كان على الأب أن ينتهز تلك الظروف فرصة ليشرح لولده حقيقة الأمور، فيكون ابنه خير معين له فى أزمته بدلا من أن يكون عالة عليه فى أسوأ أحواله، وإن كان من أولاده ولدا عاقا فلا بد من ردعه، كى يعى فداحة فعله، ويزرع بداخله الشعور بالمسئولية الجمة والثقيلة.

استيقظ الشعب من سباته، لنجد الشعب منقسما على نفسه بعدما كنا نتغنى بأن الثورة ألفت بين القلوب، فأصبحنا نعرّف بأننا مصريون، لا مسلمون ولا مسيحيون، إلا أنه وفى تسلسل زمنى منظم، أوقدت من جديد النعرة الطائفية، والمخزى أن كثيراً من الناس انجرفت وراء تلك النعرات فازداد المرض سقماً، وزاد العلاج تعقيداً.

أيها الشعب.. إن الطريق المظلم كان طويلا، وإن الحرية لا تقدر بثمن، لكن الحرية لا تتمثل فى أشخاص ورموز، ولم تعد مصر هى مصر مبارك ولا مصر هذا أو ذاك.. بل مصر عادت إلى الشعب، فكونوا على قدر مسئوليتها، لا تجعلوا أعداءكم فى الداخل يهللون فرحاً وشماتة فيكم فيجبروكم على الخنوع إلى وهم مفاده أن النظام البائد كان هو خير حافظ وحام.

ولا تجعلوا أعداءكم فى الخارج يزدادون قناعة بأن نظام الدولة البائد هو كان أهلا لتولى شئون مصر، وأن شعب مصر هو أحد الشعوب المتخلفة تركب البهائم والجمال كما صورنا لهم سنين طوال، ولا ترقى إلى قيادة نفسها بل لابد لها من راع تنساق خلفه.

لا تصدموا شعوب العالم فينا.. تلك الشعوب التى رأتنا أسوداً تستعيد حريتها بكل عزة وكرامة، لا تجعلونا نتقهقر إلى الخلف أمام الجميع وأمام أنفسنا، فإن زدتم عناداً على رفض الدواء، وإذا أبيتم أن تجتمعوا على يد واحدة وهدف واحد لنهضة بلدكم، إذا فأنتم لا تستحقون مصر، لأن مصر غالية ولا يستحقها سوى العظماء.

حفظك الله يا بلادى من كل شر ومكروه، وأسأل لشعبنا الهداية من الله كى ننأى بانفسنا عن السقوط إلى هاوية الضياع.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة