هناك الــعديد من الأقوال والحكم المأثورة المرتبطة بثورات التحرر والاستقــــلال حول العالم، وحيث إن مــــــصر الآن تشهد ثورة هى الأعظم فى تاريــــخها، لذلك كان من الأهمية بمكان أن نتعرض لتلك الأقوال حتى يتسنى لنا التطبيق على ثورتنا الغالية 25 يناير، ومحاولة تفاديها حتى نعبر بالثورة ومبادئها إلى بر الأمان.
أما المــقولة الأولى فهى أن "الثورة يشعلها ثائر ويقودها مناضل ويجـنى ثمارها جبان" فلقد نظم الشباب تلك الثورة عن طريق مواقع التــواصل الاجتماعى، وقام بها الشعب أجمعون، فالشباب هم الثائرون وأفراد الشعـــب هم الــمناضلون، أما من يجنى ثمار الثورة فلقد ظهر دورهم واضــــحا وجـــــليا فى ركــــوب الأمــواج واعتلاء المنابر الإعلامية والادعاء بأنهم كانوا مع الثورة من بداياتها مع أننا نعلم أن الكـــــــثير منهم كـــان مسافرا إلى الخارج بعد الانتخابات البرلمانية الأخيــــــــرة، ولما علموا بنجاح الثورة هرعوا إلى البلاد مرة أخرى وعملوا على تدشين شعارات من شأنها أن ترفع أسهمهم لدى الرأى العام. وهنـــاك الكثير من الجماعات التى أعلنت أنها لن تشارك فى ثـــــورة 25 يناير منذ بدء الإعلان عنها وبعدما حققت الثورة العديد مــن النجاحات أعلنوا أنهم الملهم الأول للثورة، وكل من كان يتشدق عليــــنا قبل الثورة من إعلاميين ومثقفين وسياسيين وفنانين بتمجيد الرئـــيس وأعوانه الفسدة أصبح الآن بريئا من أقواله وأفعاله التى قد تصــل إلى تقبيل أيادى هؤلاء المردة
نخلص مما سبق صدق المقولة الأولى على ثورة 25 يناير ونود أن نوضح بما لا يدع مجالا للشك أن تلك الثورة هى ثورة شعب وليست ثورة شباب فقط.
المـــــقولة الثـانية "أن من يدعون أنهم حماة الثورة هم من يثورون على أنفسهم ويأكلون أنـــفسهم بأنفسهم" تقتــــضى تلك المقولة أن يتنـــصل أى شــــاب أو شابة من قيادة الثورة ولا ينسبها لنفسه حيث تطــالعنا الكثير من القنوات بشباب جديدة منظمة للثورة حتى وصلنا إلـــى حالة من اللغط والتخبط من كثرة المنظمين لتلك الثورة، كما أن تألـــيف ما يســــمى بـ"شباب ائتلاف الثورة" من شأنه التفرقة بين الشبــــــــاب المنظمين للثورة ككل لأنه كما سبق وأن سلفنا ذكره أن الثورة هـى ثورة شعب مصر كله، وليست قاصرة على الشباب فقط.
أمــــا المقولة الثالثة فهى "أن الثورة تأكل أعداءها ثم تأكل أصحابها وبالتــــالى تأكل نفسها" وهنــــاك العديد من الدلائل والبراهين على صــــدق هـــذه المقولة فالـثورة البلشفية الروسية عام 1917 ليست ببعيدة فبعد أن انتـصر الثوار على القيصر اختلف قاداتها وبدأوا فى تصــــفية أنفسهم حتى تآكلت الثورة، وكذلك الثورة الفرنسية العلمانية، وثورة إيران الإســــــلامية، وثورة 23 يوليو بمـــصر بقيادة الضباط الأحـرار، فبعد أن حققت الانتصار على الملكية اختلف قادتها وبدأوا يتنــــافسون حــــتى انتــــهى الحــــال بابن الرئيس "محمد نجيب" سائقا لتاكسى بين المحــــافظات.
نـرجع إلى ثورة 25 يناير حيث نلـــحظ أنها بالفعل نجحت فى القضاء على أعدائها من النظام الفاسد وملاحقتهم ابتداء من الرئيس السابق "مبارك" نهاية بـجميع أعوانه فى نظــــــامه البائــــد ومحاكمتهم وتجميد أرصدتهم ومن لم تطله يد العقاب الآن سوف تدركه فيما بعد، ولكن هناك العـــــديد من العوامل التى تنـــــخر فى جسد الثورة حتــــى تتآكل منها ما هو غير مقصود ومنها مــــــا هو مقصود.
غـــير المقصود يتعلق باتفاقية حوض النيل وتوقـــــيع بروندى عـــلى اتفاقية استقطاع 15 مليار متر مكعب من حصة مصر فى مياه النيل مما ينذر بعواقب وخيمة قد تشهدها مصر فى الأيام المقبلة، أما العامل الثانى (غير المقصود) والذى أراه أهم من جميع العناصر الأخرى فى عملية تآكل الثورة هو ظهور "الفئة الوسط" وهى التى لا تؤيــــد ثـورة 25 يناير ولا تؤيد الرئيس السابق "مبارك" والتى قد انزعجت مـــــن كثرة المطالب والمظاهرات فقد أضيرت هذه الفئة كــثيرا وقطعت أرزاقهم، وتم التحرش بنسائهم وتم سرقة محلاتهم وسيارتهم وفى مـخيلتهم أن الثورة هى السبب فى كل ذلك حــــيث إنهم كانوا يعيشون فى أمان قبل الثورة كــل ما أخشاه أن تهب هذه الفئة لتجابه وتناهض الثورة والثوار وتـــطالبهم بالسـكوت والكــــف عـــن المطالب أو إرجـــاع حقهم الذى سلب منهم فى حالة الغيـاب الأمنى.. والذى يدعو إلى الشك والريبة هنا أن عدد تلك الفئة كثير جدا وقادر على تعطيل مسيرة الثورة وأهدافها.
أما العوامل المقصودة فتكمن فى "الفتنة الطائفية" والتى يخطط لها فلول مــن النظام البائد حيث يلعبون على وتر الدين الذى يستطيع أن يبيد أى شعب، مهما كانت الروابط وثيقة بين طوائف الشعب المختلفة، وحتى يثبتوا لنا أن مصر بدون مبارك يشوبها الفتنة الطائفية وانعدام الأمن لذلـــك لابد وأن يستـــيقظ أبـــناء الشـــعب، واكتشاف مثل هذه المــــؤامرات من بداية ولادتــــها واستئصال شأفـتها قبــــل أن تنمو وتتضخم داخل المجتمع.
أما العمل الثانى المقصود فهـــــو " كـــثرة المطالب التى يدعو إليها شباب ائتلاف الثورة يوما بعد يوم" مما يعرقل عجلة التنمية، أنا معهم فى تتبع فلول النظام الفاسد وكافة المطالب الـتى ينادون بها ولكن عليهم أن يتمهلوا ويعطوا فرصة للحكومة الجديـــدة للقيام بأعمالها على أكمل وجه حتى نستطيع أن نحكم عليها وأن يكفوا عن المطالب الآن أو مؤقتا حتى لا يتحــول "شباب ائتلاف الثورة " إلى "شباب إتلاف الثورة".