صدرت عن المركز القومى للترجمة، الترجمة العربية كتاب "التمكين، سياسة التنمية البديلة" والكتاب من تأليف جون فريدمان وترجمة وتقديم ربيع وهبة وحسب المترجم صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1991، وأعيد طبعه خمس مرات، كان آخرها سنة 2003.
ويمكن اعتبار هذا الكتاب كما يرى مترجمه "روشتة" مكثفة لكيفية التعامل مع الفقر وأوضاع الفقراء فى العالم، بداية من التعريف الصحيح للفقر، وانتهاءً بالتحرك السليم بسواعد الفقراء أنفسهم- دونما وصاية أو وكالة- من أجل تغيير أوضاعهم، ليصبحوا أصحاب قراراهم فى استعادة مساحتهم الخاصة فى الحياة، وممارسة كل حقوقهم وحرياتهم فى مجتمع سليم يقوم على العدل.
ولا يخلو الكتاب من نظريات متعددة بالمعنى السابق، والأهم من ذلك أنه لا يخلو من تجارب كثيرة تتناول مع النظريات المختلفة كيفية مواجهة الفقر بقوة، فنظرية العقد الاجتماعى الماثلة دائمًا عند تحليل سبل ومقومات تحقيق العدالة، على سبيل المثال، نجدها تطل هنا مقرونة بأبعاد تحليلية تردُّنا إلى أصل تكوين النظم السياسية والاقتصادية، وكيف سيطرت نظم سياسية واقتصادية بعينها، على أسس استبعادية للمستضعفين المفتقدين لأدوات القوة، القوة الهمجية بالطبع.
فى عرض الكاتب لحالة التردى التى أصابت الإنسانية، منذ تدشين نظام الأمم المتحدة، وصولاً إلى تسعينيات القرن العشرين، ومقارنة ما عرضه بما نعيشه الآن فى نهاية العقد الأول من القرن الحادى والعشرى، نجد أن الأمر قد ازداد سوءا، ليس فقط على المستوى الذى ينطلق منه الكاتب بداية من اجتماع وانسجام جهود مختلفة على وضع أطر قانونية وحقوقية وإنسانية لتقنين العمل من أجل تنمية قائمة على تعزيز الحقوق، بل أيضًا فى هذا الوقت تحديدًا، عام 2010، أى بعد تطور منظومة هائلة وترسانة من المعاهدات والاتفاقات والإعلانات العالمية، التى لها قوة التشريعات المحلية فى إعمال واحترام حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
حيث فشلت جميع برامج الأمم المتحدة، بكل إمكاناتها ومواردها، فى تحقيق كثير من الالتزامات التى قطعتها على نفسها الدول المختلفة فى إطار منظومة الأمم المتحدة تجاه شعوبها، ومن بينها تلك الأهداف الإنمائية التى وضعتها الدول على أعتاب القرن الجديد، رغبة منها فى فتح صفحة جديدة مع الفقراء والمحرومين.
فما حدث حتى يومنا هذا هو تكريس نظام لا يحقق سوى تشويه لحركات النضال الواجب ممارستها فى الشوارع وفى النقابات والأحزاب، بل وفى المدارس والجامعات، من أجل إعادة التوازن بين قوى المجتمع المختلفة، ووقف عجلة الفساد التى تدور على جثث القيم والبشر معًا.
ويُظهِر الكتاب مدى أهمية الخصوصية الثقافية والاجتماعية، ويؤكد على المحلية والخصوصية الجغرافية بوصفهما سبيلين ناجعين لمقاومة هذه الفوضى التى خلقتها العولمة، والتى لم تنتج سوى مزيد من الإفقار، حيث صدّرت عوامل الحرمان من بلد أو مجموعة بلدان، إلى جميع بلدان العالم، ليصبح العالم كتلة واحدة قوامها بضعة أغنياء متجبرين، وغالبية عظمى من الفقراء المحرومين، فقراء محرومون من كل عوامل التمكين الإنسانى والاقتصادى والسياسى والاجتماعى.
ويذكر المترجم فى مقدمته أهم الدروس التى يمكن الاستعانة بها من التاريخ القديم والحديث فى مراجعة واقعنا العربي، والإصرار على التشبث بالتغيير الصحيح، فأن تكون مستبعدًا اقتصاديًّا، يعنى من الناحية العملية أن تكون مستبعدًا سياسيًا، وعلى عكس ما جاء فى قدر كبير من النتاج الفكرى السائد فى المجتمعات الرأسمالية، فإن التنمية السياسية نحو ديمقراطية أكثر احتواءً، ليست هى التكملة الحتمية للنمو الاقتصادى، ولا هى محصلته المقدَّرة، بل على العكس من ذلك، ففى معظم أرجاء العالم اليوم، فإن التراكم الرأسمالى المنفلت لا يحدث فى مناخ حميد من الديمقراطية الليبرالية.
فما يسمى بأنظمة التحديث، وهو ما نعاصره اليوم فى مجتمعاتنا العربية، تدار بطبيعة الحال بأيدى رؤساء أقوياء، ومجالس قيادة الانقلابات العسكرية والعباقرة الفنيين فى الاقتصاد والجباية الضريبية، والإسكات السياسى يكون بالطبع مفروضًا على "المخفيين" من سكان القطاعات المستبعَدة، وأبطالهم السياسيين، وهو ما يتم عن طريق السَّجن والتعذيب، و"الاختفاء القسرى". فحكم المحدثين يدار بشكل كبير عن طريق الخوف والترهيب، غير أن عنف الدولة بحسب المترجم لا يمكنه إسكات المقاومة إلى الأبد. لكنه يُحدِث الشىء الحتمى: ازدهار الفساد، وأخطاء النيران الصديقة فى السياسية، وإساءة استخدام الامتيازات، وفى نهاية الأمر، فإن الديكتاتور الأكثر قوة يتجاوز نفسه، حتى يصبح مجبرًا فى النهاية على التنازل عن منصبه، وقد سعى بعض القادة المتنازلين عن مناصبهم إلى النفى فى الغرب، والبعض قضى نحبه، وآخرون انحدروا إلى اختفاء مريح، وحلّت بعد زوالهم عملية دمقرطة.