فوجئ الجميع بحزم من الإصلاحات التى انهالت على شعوب العديد من الدول العربية، سواء ما تشهد منها تحركات بهدف إحداث تغيير ديمقراطى واجتماعى، أو تلك التى تتخوف من انتقال حركات التغيير إليها.
الغريب فى الأمر أن حزم الإصلاحات كانت من قبل إما مرفوضة، أو عليها تحفظات من الحكومات، بدعوى أن الأوضاع المالية غير مناسبة، وأن التمويل لها غير متوفر، بل وصل الأمر إلى القول بأن مثل تلك المطالب ليس لها أساس من الواقع فى شىء، لأن الشعوب تعيش فى ازدهار ورخاء، ودعاة هذه المطالب غوغائيون!!.
وأمام قطار التغيير الذى دخل تونس ومصر، ويتسع فى ليبيا، والبحرين واليمن، وربما يطال دول أخرى، انتفت أسباب رفض المطالب الاجتماعية والسياسية، فى العديد من الدول العربية، بما فيها دول غنية، ومنتجة للبترول، وسارعت حكوماتها بإطلاق باقات من الإصلاح الاجتماعى، والسعى إلى خطوات إصلاح سياسى، وإن كانت الأخيرة أقل كثيرا جدا من طموح أبناء شعوب هذه الدول.
ومن فرط ما يضحك بدأت الناس تردد بأن على شعوب الدول العربية أن تقدم الشكر لشعبى مصر وتونس على سرعة تحقيق مطالبهم الاجتماعية والسياسية فى بلدانهم، وبأسرع مما تحقق فى أراضى بلدان الثورات نفسها.
والمؤكد أن الرفاهية الاجتماعية لم تعد البديل لصمت الشعوب عن أجندات مطالبها، فالحقوق السياسية وتوسيع نطاق الديمقراطية وحقوق نقد الحاكم إذا أخطأ، قبل شكره إذا أصاب، أصبح أمرا حتميا حتى فى تلك البلدان التى ظلت رفاهية سكانها حائلاً دون التغيير أو حتى مجرد المطالبة به، وعلى الحكام أن يدركوا بأن موجات التغيير أصبحت قاب قوسين أو أدنى إذا ما ظلوا مغمضى الأعين.
والتعلّم من دروس التغيير أصبح إلزاميا على الحكام والحكومات العربية، وعليكم أيها الحكام أن تختاروا بدقة من يقدم لكم النصيحة، وكفى الاستماع إلى مستشارى السوء، واقرءوا جيدا ما بين السطور، ومدونات مواقع الإنترنت، والمواقع الاجتماعية، ففيها الكثير والحقيقى أكثر بكثير من الشائعات.
الدروس كثيرة ومتشعبة، فإلى الحكام نقول أعطوا وقتهم لمتابعة أحوال شعوبهم، وكفى الاعتماد على التقارير المكتوبة من مستشاريكم، فحتما إنها لا تنقل الحقيقة والواقع، وغالبا ما تقوم بتجميل السلبيات، وكثفوا زياراتكم لمناطق الحياة على الهامش، فى القرى والنجوع، والأحياء الشعبية وفوق شعاب الجبال وفى قلب الصحراء، لتعيشوا الواقع بعيدا عن مقارات الرئاسة والقصور.
وأيها الحكام العرب وإن كان قدركم أنكم حكام، ولكن لتعلموا أن الحكم المطلق، ومفهوم دول شركات المساهمة الخاصة، عفا عليها الزمن، وأصبحت جزءا من تاريخ لن يعود، ولم يعد لها وجود فى عالم التغيير السريع والثورات الشعبية، والحديث عن مطالب التغيير والمشاركة فى الحكم لم يعد فى السر، أو من الممنوعات، بل يملأ المدونات والمجالس والمنتديات، والكثير من البيانات تصدر يوميا فى دول لم يكن مجرد الحديث حول التغيير والمشاركة فى الحكم والثروة فيها محل تفكير أو نقاش!
ولن تنفع المراهنة على الوقت، كما لن تغنى مسكنات الإصلاح الاجتماعى عن الإصلاح السياسى، وتوسيع دائرة مشاركة الشعوب فى الحكم، بل الادعاء بأن الدول العربية لها خصوصيتها وديمقراطيتها الشعبية، ولا تصلح معها الديمقراطية المستوردة، أصبح كلاما فاقدا لكل المعانى، ولن تقبله الشعوب، فالإصلاح أفضل أن يكون بأيدكم بدلا من أن يأتى بتغيركم أنتم.