معصوم مرزوق

نقل الثورة من عالمها الافتراضى

السبت، 12 مارس 2011 08:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قيل إن ثورة 25 يناير هى أول ثورة فى التاريخ يتم ترتيبها عبر "العالم الافتراضى"، أى من خلال شبكات التواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك والتويتر، فهى لم تخطط فى السر، وإنما كانت تنشر كل خططها فى العلن "الإفتراضى"، وتضع ساعة الصفر ومواقع التقدم وأسلوب الاشتباك.. إلخ.

أتذكر ما قاله السادات بعد حرب أكتوبر عن أنه "أعطى الإلكترون لشباب القوات المسلحة، فدخلوا بها أول حرب إليكترونية وحققوا النصر"، وقد كان ذلك صحيحاً إلى حد كبير، وعلى أى حال ليس هذا هو مكان بحث تفصيل هذه المقولة، ولكننى تذكرت ذلك كى تستقيم المقارنة، ففى حرب أكتوبر تسلح شباب مصر بالفعل بأحدث تكنولوجيا العصر وخاصة فى مجال الدفاع الجوى، وتمكنوا من استخدامها ببراعة ودقة أدهشت العالم كله.. وفى 25 يناير، استخدم شباب مصر تكنولوجيا الاتصالات المعاصرة كى يدهشوا العالم مرة أخرى.. ولكن مع بعض الفوارق.

لقد طبق شباب أكتوبر التكنولوجيا المتاحة فى تدمير أسلحة العدو وتحقيق الهدف، أى أنهم نقلوا العلم النظرى إلى التطبيق الفعلى وأنجزوا المهمة المطلوبة.. شباب 25 يناير استخدموا الإمكانيات التكنولوجية المتاحة فى التخطيط لثورة، وواصلوا استخدامها كوسيلة تواصل وتنسيق حتى تخلى الرئيس عن منصبه وما تلاه، وحتى الآن.

وإذا كانت شبكة التواصل الاجتماعى يمكنها أن تحقق تقابل الأفكار ومناقشتها وربما التوصل إلى رسم خارطة طريق للتحرك، إلا أنه لا تغنى عن التواصل الاجتماعى المعمق فى إطار تنظيمى، فمن الممكن لأى شخص أن يختلى بجهاز الحاسوب فى غرفته كى يتحاور ويتداول مع عدد لا نهائى من الأشخاص الذين يمتلكون القدرة المادية والفنية لاستخدام هذه الأداة، ولكن يبقى دائماً أن هذا التواصل يتم فى عالم افتراضى، بطبيعته لا يتجاوز الإطار النظرى، ولا يحتك بالواقع إلا بقدر التجربة الفعلية لكل واحد من المشاركين فى هذا التواصل، وهى ممارسة له خطورتها، حيث يمكن لأولئك القادرين على امتلاك تجربة بعينها من قيادة وتوجيه الرأى داخل هذا الفضاء الافتراضى إلى اتجاه أو اتجاهات ليس من الضرورى سلامتها.

ومن ناحية أخرى، فأن هذا الفضاء الافتراضى بطبيعته وطبيعة المشاركين فيه، يمثل كياناً منعزلاً ومحصناً من الواقع المعاش بكل تعقيداته، وبالتالى فإن آراء واستنتاجات المشاركين لن تعكس بالضرورة آراء واستنتاجات قطاعات أخرى واسعة فى المجتمع ليس لديها القدرة الفنية أو المادية للمشاركة فى هذا الإطار.

إن اللاعب قد ينتصر فى معارك الألعاب الإليكترونية، ويخوض غمار معركة كاملة فى ذلك الفضاء الإلكترونى، ولكن ذلك لا يعنى أن التكتيك المستخدم يصلح لخوض معركة حقيقية فوق الأرض.

وأتذكر هنا أننى مارست منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً مباراة حرب إلكترونية عن حرب أكتوبر مع دبلوماسى أمريكى، وكانت هذه "اللعبة" تستند على بيانات حقيقية عن القوات والأسلحة التى توفرت فى الحرب الحقيقية، وفى كل مرة كان كل طرف يقوم بتغيير بعض القرارات ويتم حساب النقاط.. لقد خسرت عدة مرات أثناء هذه اللعبة، رغم أن الدبلوماسى الأمريكى لم يخض حرباً فى حياته، بينما خضت أنا بشكل فعلى حرب أكتوبر التى كنا نلعبها..!!.

يمكن فى العالم الافتراضى أن نتبادل الرأى حول القيم المطلقة للحرية والعدالة والديمقراطية، أن ندعو للتعددية الحزبية الحقيقية، وتداول السلطة، والتنمية الاقتصادية.. إلا أن تحديات العالم الحقيقى تستدعى مواجهة مشاكل حقيقية تمثل عقبات عديدة فى طريق تلك القيم المطلقة، فعلى سبيل المثال عندما نتحدث فى عالمنا الافتراضى عن الحرية، يجب أن نعرف إذا أردنا نقل هذه القيمة إلى الحياة ما هو شكل المجتمع ودرجة الثقافة والوعى، وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الحرية والفوضى..إلخ، وعندما نتحدث فى العالم الافتراضى عن العدل الاجتماعى، فمن المهم أن نعرف علاقة ذلك بالسياسة الاقتصادية والموارد المتاحة ودرجة كفاءة الأدوات.. إلخ.

لكى أزيد الأمر إيضاحاً، فقد يكون من المناسب أن أضيف أنه ليس بالضرورة أن يكون أذكى علماء الاقتصاد هم أفضل وزراء الاقتصاد، فمن الممكن صياغة نظرية محكمة لتحقيق النمو الاقتصادى فى مجتمع ما، ولكنها تفشل فى التطبيق على نفس المجتمع لأسباب قد تتعلق بالإدارة أو بالقائمين على التنفيذ الفعلى أو لمجرد الثقافة السائدة.

إن بعض ما نلحظه من الاضطراب الحالى هو فى بعض منه نتاج التوقف عند "حالة الثورة الافتراضية"، وارتباك النخب السابقة والجديدة فى مواجهة تلك الحالة التى أدهشت الجميع، فنجد الرأى ونقيضه فى كل شىء تقريباً: " هل تعود الشرطة ؟ نعم ولا.. هل التعديلات الدستورية مقبولة؟ نعم ولا.. هل هذا الشخص أو ذاك مقبولاً؟ نعم ولا.. ثم قوائم العار وقوائم الشرف، دون معيار ضابط أو معرفة من الذى أعطى لهذا أو لذاك سلطة القول أو الفعل، فالكل فجأة أصبحوا ثوار 25 يناير والمتحدثين باسمها، وهكذا أصبحت تلك الحالة الثورية الرائعة بمثابة جسم ضخم تبرز منه مئات الرؤوس.

وباستخدام لغة الكمبيوتر، فأن الحالة تبدو وكأن "الهارد ديسك" هنج!!، أو بمعنى آخر توقف عن الحركة وثبتت صورة واحدة على الشاشة وهى صورة "الحالة الثورية".. أو كأن هناك "فيروس" ما أو مجموعة من الفيروسات قد هاجمت مرة واحدة برنامج الثورة، لأنها لم ترتب لبرامج للوقاية، وهكذا تحتاج على الأقل لبرنامج تكون مهمته "تطهير الحالة الثورية مما شابها".

وربما يبدو ما تقدم تبسيطاً مخلاً، أو نصيحة لم يطلبها أحد، فلسوف تجد من يقول أن الثورة ماضية فى طريقها بكل ثبات وتحقق نجاحات متتالية، ولكن هل يمكن لهم أن يحددوا على وجه الدقة أين تتجه البوصلة؟، ما هى الإجراءات العملية لمواجهة مشاكل المرحلة الراهنة، والفترة القصيرة القادمة، ثم البرنامج الوطنى على المدى الطويل؟ ..

لا يمكن إغفال المخاطر المحدقة بالوطن داخلياً وخارجياً خلال هذه المرحلة " الافتراضية الضبابية"، وقد عبر كثير من أهل الرأى الذين يعتد برأيهم عن مخاوفهم من تمدد هذه المرحلة بلا نهاية، ولا أريد فى هذا المقال أن أسرد تفصيلاً بعض هذه المخاطر لأنه ليس من المصلحة إثارة الرعب، فضلاً عن أن ذلك هو التهمة الجاهزة لكل من حاول التحذير على استحياء.

لقد سبق لى أن كتبت فى مقال سابق قبل الثورة بأن السلطة التنفيذية تمثل سدس الدولة، على اعتبار أن الدولة تتكون من: شعب، وإقليم، ونظام سياسى، وأن النظام السياسى يتكون من السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية... فهل يكون معقولاً أو مقبولاً بأن نضحى بالدولة ونحن نسعى لتغيير السلطة التنفيذية؟ أى نضحى بالكل انتقاماً من السدس؟..

هل آن للثورة أن تخرج من "عالمها الافتراضى" كى تنزل إلى العالم الحقيقى وتواجه تحدياته؟... للحديث بقي ..

* عضو اتحاد الكتاب









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة