تعد الكتابة الساخرة مهمة صعبة، إذ تحتاج إلى ثقافة وقوة تعبيرية تتميز برشاقتها وأناقة لغتها ما بين الرصانة و"التهريج"، فهى أعلى مراتب الجدية والضحك معًا، ويستمد الكاتب سخريته اللاذعة من واقعه البائس ونقده اللاذع لأنظمة الحكم، ولكن إذا ما سقطت هذه الأنظمة واستشعر الكاتب الساخر أن ما كان يدعو إليه أصبح واقعًا يستشرف غده فما الذى سيكتب عنه؟
بهذه النظرة توجه "اليوم السابع" إلى عدد من الكتاب الساخرين حول سقوط حاجز الرقابة، ضمن ما أسقطته ثورة 25 يناير من حواجز، ليستطلع رؤيتهم لمستقبل الكتابة الساخرة، فأكدوا أنها باقية حتى قيام الساعة، وأن الساخر لديه الكثير مما لا يجعله "يفلس" إذا سقطت وسائل القمع والرقابة، مؤكدين أن السخرية من النظام القادم ستكون أكثر بكثير من النظام البائد.
الكاتب محمد فتحى قال: "برأيى أن ثورة 25 يناير اعتمدت على جزء كبير من السخرية، واستطاع الشباب أن يكتسبوا أرضية لهم للانتقام بسخريتهم من رؤوس النظام السابق"، مؤكدًا "فلن يكون هناك أية عوائق بعد الثورة بالنسبة للكتاب الساخرين، لأننا فى الأساس لم نعتمد على النظام فقط، بل كانت على ظواهر مرتبطة بالنظام، بالإضافة إلى أننا حتى الآن لم نر النظام القادم، وهو ما يدفعنا للتوقع بأن السخرية من النظام القادم ستكون أكثر بكثير من النظام البائد.
وأضاف فتحى: "إن ما يحدث الآن من علامات التخوين وتصنيف الناس لبعضها البعض على أساس مشاركتهم فى ميدان التحرير ومدى إصابتهم، وأيهم أكثر إصابة وجروحا من الآخر أمر يبعث فى الأساس إلى السخرية وتقنياتها التى دلت على قدرة الشعب المصرى على السخرية، وكما شاهدنا حملة "الراجل اللى واقف ورا عمر سليمان" والسخرية على السخرية من أحداث مماثلة لها أيضًا".
وتابع فتحى: "أتوقع أن الكتابة الساخرة سوف تستمر وستظهر كتابات كثيرة، منها ما هو موسمى وما هو تاريخى، وسيظهر كتاب، إضافة لمن ظهرت كتاباتهم قبل الثورة، ولكن البقاء سيكون للكتابة الساخرة التاريخية القادرة على رصد الأحداث التى وقعت أمام الكاتب بعينه".
وقال الكاتب محمد هشام عبية: "لا أعتقد أن الديمقراطية ستؤثر سلبًا على الكتابة الساخرة فى مصر، وبالرغم من أننا لم نجرب الديمقراطية، إلا أن الدليل على بقاء الكتابة الساخرة واستمرارها هو وجودها فى دول العالم المتقدم، بالإضافة إلى أن المساوئ التى كنَّا ككتاب نتكئ عليها فى موضوعاتنا لن تنتهى فى يومٍ وليلة، مع التأكيد على أن طبيعة مصر دائمًا ما تستدعى الإنسان للسخرية من أمور حياتية اليومية، فالكتابة الساخرة باقية حتى تقوم الساعة".
وأضاف عبية: "كما أن الديمقراطية لا تعنى أنها ستأتى دائمًا بمسئولين لا يخطئون، فالكاتب الساخر فى مصر ستظل أمامه سلوكيات هؤلاء المسئولين والبشر ممن يلقاهم كل يوم".
واستكمل عبية: "أعتقد أن ما شاهدناه من ظهور كتابات تدعى انتمائها للكتابة الساخرة سوف تختفى بعد الثورة، وسوف يقوم القارئ بعملية فرز لهذه الكتابات".
من ناحية أخرى، قال الكاتب فتحى سليمان: "برأيى أن الكاتب الساخر سيحول سخريته من النظام إلى السخرية من بعض السلوكيات السيئة للشعب المصرى، فالساخر لديه الكثير حتى لا يكون مفلسًا إذا ما سقطت وسائل القمع، مضيفا "وهذا ما أقوم به من خلال عدة مشروعات ساخرة مثل اختراع قانون المرور الجديد، واستبدل جارك، وعدم احترام الطابور، وعدم تعريف المواطن بديانته".
وأضاف سليمان: "إن الفترة المقبلة من الكتابة الساخرة ستكون أشبه بتنهيدة الألم، فالثورة حلت معضلة الكتابة الساخرة، وأرى أن البعض من الكتاب الساخرين الشباب سيتجهون إلى كتابة القصة القصيرة، وسيكون متاح لهم فك كثافة وشفرة النكتة أو الموقف الذى يدعوا إلى السخرية".
وتابع سليمان: "وأستثنى من هؤلاء الشباب كل من محمد فتحى وعمر طاهر وجيهان غرباوى، ويوسف معاطى؛ فهؤلاء دخلوا فى حيزٍ آخر ومازالوا قادرين على تقديم الكثير من الكتابات الساخرة وتمكنهم منها مثل كبار الكتاب".
وأوضح سليمان أن الكتابة الساخرة سوف تتجه إلى كتابة ما يعرف بـ"الاستاتيوس" خفيف الدم والعودة إلى القفشات التى تحمل معنيين فى وقت واحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة