جيهان فوزى

إما أنا أو الفوضى

السبت، 12 مارس 2011 08:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هكذا طوى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك سنوات حكمه الثلاثين، مهددا متوعدا، فهل ما يحدث الآن من فوضى تهز عرش استقرار البلاد هو جزء من السيناريو الذى تنفذه فلول النظام السابق؟ أم أن نظرية ميكافيللى هى الأقرب للواقع والتى تقول: "الشجاعة تنتج السلم، والسلم ينتج الراحة، والراحة يتبعها فوضى، والفوضى تؤدى إلى الخراب، ومن الفوضى ينشأ النظام، والنظام يقود إلى الشجاعة".

ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية من اشتباكات طائفية لم تكن متوقعة، أثارت العديد من علامات الاستفهام والشكوك فيمن يكون وراء هذه الهجمة المؤسفة والمفتعلة، التى لوثت ثوب الثورة الناصع البياض والتى أدهشت العالم أجمع، وكأن ما حدث يذكرنا بأن شهر عسل الثورة قد انتهى، وبدأ الضباب يكتسح المشهد.

لا شك أن أى دولة فى العالم مهما بلغت عظمتها لا تستطيع حل كل مشاكلها فى وقت واحد، ومن الطبيعى إذا ما فتحت جميع الملفات دفعة واحدة، ستكون بالضرورة أحمالا ثقيلة على الثورة ستؤدى إلى اندلاع ثورة مضادة، وتعطى الفرصة على طبق من ذهب لفلول النظام والحزب الوطنى للتغلغل بين شباب الثورة لشق صفوفهم وتفتيت وحدتهم.

ندرك جميعا أن هناك من يعمل فى الخفاء ضد الثورة لإشاعة الفوضى، سواء كانوا من الخارج أو الداخل وهو أمر مسلم به، فواحة الديمقراطية التى اكتسحت المنطقة العربية، غيرت مفاهيم العالم تجاه شعوبها، وهناك دول بعينها تخشى هذه الديموقراطية، وفى العمق يبرز القلق الإسرائيلى مما يحدث، إسرائيل التى كانت دائما تخشى من أن يأخذ العرب بزمام المبادرة الديموقراطية، لأنه ليس بالإمكان حساب سياسات العرب نحوها، وهذا سيؤثر سلبا على مصالحها ويهدد أمنها، فما حدث فى مصر على وجه الخصوص أربك قادة اسرائيل، وجعلها غير قادرة على مواجهة المتغيرات الجديدة ففى حال تأييدها هناك ضرر واقع عليها، وفى حال رفضها فهى بذلك تكشف عن وجهها الخبيث بما يضر بسياستها الديموقراطية التى تتباهى بها دوما أمام العالم.

ما يحدث الآن فى المقام الأول مسئولية الشعب نفسه الذى انتفض وفجر ثورة أصبحت مثار إعجاب العالم وحديثه، وبات ميدان التحرير رمزا ومزارا للعديد من المسئولين والوزراء فى العالم، هذه المسئولية تحتم على الثوار الالتفات الى أسئلة ملحة: كيف يمكن حماية إنجازاتهم التى لم تأت بسهولة؟ كيف يمكن حماية ثورتهم من الفتنة التى اكتوى بنارها الشعب سنوات طويلة؟ كيف يفوتون الفرصة على فلول النظام من إشعالها مرة أخرى؟ كيف يمكن لهم أن يمتصوا غضب الشارع الذى ربما ينقلب عليهم إذا ما استمرت الفتنة والفوضى؟ كيف يمكن أن يحولوا دون انهيار المؤسسات بسبب المظاهرات الفئوية التى أصبحت ممنهجة فى وقت يصعب على الجيش والحكومة الجديدة السيطرة عليها؟ كيف يمكن أن يثبتوا للعالم أن ظروفهم السياسية والتغيرات المتلاحقة قد أنضجتهم سياسيا وأيديولوجيا بعيدا عن المزايدات والشعارات ؟ كيف يمكن لهم الاستمرار وخطر انعدام الامان وانتشار البلطجية والخارجين على القانون فى كل مكان يهدد أمن الوطن والمواطن؟

لابد من خطوات عملية توقف هذا النزيف حتى لاينقلب تعاطف الشارع إلى نقمة، فحينما يشعر المواطن بأن ثمن الحرية مزيد من انعدام أمانه سينال منه الإحباط ويتراجع عن حماسة وتأييده للثورة وهذا ما يريد أن يصل إليه أعداء الثورة.

الاشتباكات الأخيرة التى نشبت فى ميدان التحرير بين المعتصمين المطالبين بتحقيق جميع مطالبهم وبين المطالبين باخلاء الميدان والعودة الى العمل مؤشر خطير إذا لم يتم تدارك أبعاده والتعامل معه بحكمة وتعقل، فالمنطق يقول إن الاستقرار الأمنى يصنع الاستقرار الاجتماعى، الذى يصنع بدوره أمان المجتمع حتى يستطيع الخروج من دائرة الارتباك الى دائرة الهدوء وتتحقق جميع المطالب بشكل متدرج.
لا شك هناك مظالم عديدة يعانى منها الأقباط الذين يشعرون بالاضطهاد منذ سنوات طويلة بفضل ممارسات النظام السابق، وهى بحاجة إلى حلول جذرية وسط مخاوف من تصاعد قوى الإخوان المسلمين، ولهم الحق فى مثل هذه المخاوف رغم التطمينات المستمرة التى يتلقونها، غير أن ملفهم يستحق البحث ومعالجة الثغرات التى تثير الفتن وتفجر الخلافات التى تعصف باستقرار الجميع، والخاسر الوحيد هو الوطن والمواطن.

الثورة التى أحدثت تغييرا ثقافيا وأخلاقيا، وأنضجت المجتمع وجعلته منطلقا ومنفتحا ينظر إلى المستقبل برؤية جديدة، ينتظرها مهام رئيسية جسيمة يجب الاهتمام بها ولها الأولوية فى المرحلة الحالية منها الدستور والانتخابات الرئاسية، وتدوير عملية الإنتاج، وتفعيل ملف المواطنة والدولة المدنية والمساواة فى الحقوق والواجبات، وإعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية.

أما القضايا الفئوية والثانوية فتأتى بعد ذلك، لأن عجلة الإنتاج عندما تدور فهى بذلك تنقذ البلاد من مصير اقتصادى بائس، وفى نفس الوقت تعطى الفرصة لتحقيق المطالب والمظالم الفئوية تدريجيا، كما أن نزول الشرطة إلى الشارع ضرورة ملحة يجب التعامل معها بروح التسامح والتراضى كى تستقيم الأمور، وتعود الثقة المفقودة بين المواطن وضباط الشرطة، لأن إرهاب البلطجية والمجرمين فى الشوارع والميادين أصبح المشهد الذى يتصدر حياتنا اليومية، ويثير الرعب فى النفوس، وآن الأوان لردعه والقضاء عليه، فالعمل بروح الشعار أفصل كثيرا من الصراخ به "الشعب يريد بناء الدولة".. "الشعب يريد الاستقرار".. "الشعب يريد الأمن والأمان"، حتى لا يكون بديل النظام هى الفوضى.. الفوضى التى لوح بها الرئيس السابق إذا ما خرج من دائرة الضوء ولم يستمر فى الحكم، وكأنه بذلك يعطى الضوء الأخضر لمناصريه أن يعيثوا فى الأرض فسادا طالما لفظتهم هذه الأرض، وطالما أصبح هو ومؤيدوه خارج السياق، منبوذين مطاردين تلاحقهم خطاياهم أينما ذهبوا، فهانت عليهم بلادهم، ولم تهن عليهم أنفسهم التى أمرتهم بالسوء طوال هذه السنوات دون أدنى إحساس بالندم..!!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة